وقوله : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ)](١) المراد : إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما (٢).
قوله : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) «استغفر» يتعدّى لاثنين ، أولهما بنفسه ، والثاني ب «من» ؛ نحو : استغفرت الله من ذنبي ، وقد يحذف حرف الجر ؛ كقول القائل : [البسيط]
١٠٠٤ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
|
ربّ العباد إليه الوجه والعمل (٣) |
هذا مذهب سيبويه (٤) ـ رحمهالله ـ وجمهور النّاس.
وقال ابن الطّراوة : إنه يتعدّى إليهما بنفسه أصالة ، وإنما يتعدّى ب «من» ؛ لتضمنه معنى ما يتعدّى بها ، فعنده «استغفرت الله من كذا» بمعنى تبت إليه من كذا ، ولم يجىء : «استغفر» في القرآن الكريم متعدّيا إلّا للأول فقط ، فأمّا قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [غافر : ٥٥] (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف : ٢٩] (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٣٥] فالظاهر أنّ هذه اللام لام العلّة ، ولا لام التعدية ، ومجرورها مفعلو من أجله ، لا مفعول به. وأمّا «غفر» فذكر مفعوله في القرآن تارة : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ١٣٥] ، وحذف أخرى : (وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [المائدة : ٤٠]. والسين في «استغفر» للطلب على بابها ، والمفعول الثاني هنا محذوف للعلم به ، أي : من ذنوبكم التي فرطت منكم.
فإن قيل : أمر بالاستغفار مطلقا ، وربما كان فيهم من لم يذنب ، فحينئذ لا يحتاج إلى الاستغفار.
فالجواب : أنّه إن كان مذنبا ، فالاستغفار واجب ، وإن لم يذنب ، فيجوز من نفسه صدور التّقصير في أداء الواجبات ، والاحتراز عن المحظورات ؛ فيجب عليه الاستغفار تداركا لذلك لخلل المجوّز ، وهذا كالممتنع في حقّ البشر.
وقوله : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فقد تقدّم أنّها صيغتي مبالغة من المغفرة والرّحمة.
فصل
واختلف العلماء ـ رضي الله عنهم ـ في هذه المغفرة الموعودة.
فقال بعضهم (٥) : إنّها عند الدّفع من عرفات إلى جمع.
وقال آخرون (٦) : إنها عند الدّفع من جمع إلى منى ، وهذا مبنيّ على الخلاف المتقدّم في قوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا) على أيّ الأمرين يحمل.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٤.
(٣) تقدّم برقم ٧٥١.
(٤) ينظر : الكتاب ١ / ١٧١.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٦.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٦.