قال القفّال (١) ـ رحمهالله ـ ويتأكّد الثّاني بما روى نافع عن ابن عمر ؛ قال : خطبنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عشيّة عرفة ؛ فقال : «يا أيّها النّاس إن يطّلع الله عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، والتّبعات عوّضها من عنده ، أفيضوا على اسم الله تعالى» قال أصحابه : يا رسول الله ، أفضت بنا بالأمس كئيبا حزينا ، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا ، فقال عليهالسلام ـ «إنّي سألت ربّي ـ عزوجل ـ بالأمس شيئا لم يجد لي به : سألته التّبعات فأبى عليّ ، فلمّا كان اليوم أتى جبريل ـ عليهالسلام ـ فقال : إنّ ربّك يقرئك السّلام ويقول : التبعات ضمنت عوضها من عندي» (٢) والله أعلم.
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٢٠٢)
اعلم أن «قضى» إذا علّق بفعل النّفس ، فالمراد منه الإتمام والفراغ ؛ كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ١٢] (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) [الجمعة : ١٠] ، وقوله ـ عليهالسلام ـ : «وما فاتكم فاقضوا» (٣) ، ويقال للحاكم عند فصل الخصومة : قضى بينهما. وإذا علّق على فعل الغير ، فالمراد به الإلزام ؛ كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ) [الإسراء : ٢٣] وإذا استعمل في الإعلام ، فالمراد أيضا كذلك ؛ كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [الإسراء : ٤] ، أي : أعلمناهم ، وهذه الآية الكريمة من القسم الأوّل.
وقال بعضهم (٤) : يحتمل أن يكون المراد : اذكروا الله عند المناسك ، ويكون المراد من هذا الذّكر : ما أمروا به من الدّعاء بعرفات والمشعر الحرام والطّواف والسّعي ؛ كقول القائل : إذا حججت فطف وقف بعرفة ، ولا يريد الفراغ من الحجّ ، بل الدّخول فيه ، وحملهم على التّأويل صيغة الأمر.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٦.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ١٩٣ ـ ١٩٤) وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ١٩٩) عن ابن عمر.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤١٣).
والحديث ذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (٢ / ١٢٧) بمعناه من حديث عبادة بن الصامت ثم قال : رواه الطبراني في الكبير ، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن فيهم رجلا لم يسم.
وكذلك ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧) من حديث أنس بمعناه وقال : رواه أبو يعلى وفيه صالح المري وهو ضعيف.
(٣) أخرجه البخاري (٢ / ٣٩٠) كتاب الجمعة : باب المشي إلى المساجد (٩٠٨) ومسلم (١ / ٤٢٠ ـ ٤٢١) كتاب المساجد باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة (١ / ٢٥ / ٦٠٢) من حديث أبي هريرة.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٧.