فصل
اختلفوا في الّذين يقتصرون في الدّعاء على طلب الدّنيا على قولين.
فقال قوم : هم الكفّار ؛ روي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ أنّ المشركين كانوا إذا وقفوا للدّعاء ، يقولون : اللهمّ أعطنا غنما وإبلا وبقرا ، وعبيدا ، وإماء ، وكان الرّجل يقوم ويقول : اللهم إنّ أبي كان عظيم القبّة ، كبير الجفنة ، كثير المال ؛ فأعطني مثلما أعطيته (١) ، ولم يطلبوا التّوبة والمغفرة ؛ لأنهم كانوا منكرين البعث والمعاد.
وعن أنس ؛ كانوا يقولون : اسقنا المطر ، وأعطنا على عدوّنا الظّفر (٢) ، فأخبر الله ـ تعالى ـ أنّ من كان هكذا ، فلا خلاق له في الآخرة ، أي : لا نصيب له.
قال القرطبي (٣) : فنهوا عن ذلك الدّعاء المخصوص بأمر الدّنيا ، وجاء النّهي بصيغة الخبر عنهم.
وقال آخرون : قد يكونوا مؤمنين ، ويسألون الله ـ تعالى ـ لدنياهم لا لآخرتهم ، ويكون سؤالهم هذا ذنبا ؛ لأنهم سألوا الله في أعظم المواقف حطام الدّنيا الفاني ، وأعرضوا عن سؤال نعيم الآخرة ، ويقال لمن فعل ذلك : أنّه لا خلاق له في الآخرة ، وإن كان مسلما ؛ كما روي في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [آل عمران : ٧٧] أنها نزلت فيمن أخذ مالا بيمين فاجرة.
وروي عن النّبيّ ـ عليهالسلام ـ : إنّ الله يؤيّد هذا الدّين بأقوام لا خلاق لهم (٤) ، ومعنى ذلك على وجوه.
__________________
ـ (٣٤٨٣) وأحمد (٣ / ١٠٧) والبغوي في «تفسيره» (١ / ١٨٨) وابن أبي شيبة (١٠ / ٢٦١) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٢ / ٤٢٧) وابن المبارك في «الزهد» (٣٤٧) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٥٤٩) والطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٠٤) وأبو يعلى (٦ / ٣٨٣٧).
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤١٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد والبخاري وابن أبي حاتم والبيهقي في «الشعب».
ولم أجده في البخاري وقد جزم ابن كثير بذلك ، فأورده في «التفسير» (١ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣) من رواية المسند وقال : انفرد بإخراجه مسلم.
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٠١) عن أبي وائل بمعناه.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٠٢) عن أنس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤١٨) وعزاه للطبري وحده.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٨٦.
(٤) أخرجه أحمد والطبراني في «الصغير» (١ / ٥١) وابن عدي في «الكامل» (٢ / ٥٧٣) وأبو نعيم في «الحلية» (٣ / ١٣) عن أبي بكرة.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٥ / ٣٠٥) وقال رواه الطبراني وأحمد ورجالهما ثقات.
والحديث ذكره الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (١ / ٤٨) وقال : رواه النسائي بإسناد صحيح عن أنس.