أحدها : أنّه لا خلاق له في الآخرة إلّا أن يتوب.
الثاني : لا خلاق له في الآخرة إلّا أن يعفو الله عنه.
والثالث : لا خلاق له في الآخرة كخلاق من سأل الله ـ تعالى ـ لآخرته ، وكذلك لا خلاق لمن أخذ مالا بيمين فاجرة ، كخلاق من تورّع عن ذلك ؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى : ٢٠].
قوله تعالى : (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] يجوز في الجارّ وجهان.
أحدهما : أن يتعلّق ب «آتنا» كالذي قبله.
والثاني : أجازه أبو البقاء (١) أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال من «حسنة» ؛ لأنه كان في الأصل صفة لها ، فلما قدّم عليها ، انتصب حالا.
قوله : «وفي الآخرة حسنة» هذه الواو عاطفة شيئين على شيئين متقدّمين ، ف «في الآخرة» عطف على «في الدّنيا» بإعادة العامل ، و «حسنة» عطف على «حسنة» ، والواو تعطف شيئين فأكثر ، على شيئين فأكثر ؛ تقول : «أعلم الله زيدا عمرا فاضلا ، وبكرا خالدا صالحا» ، اللهم إلا أن تنوب عن عاملين ، ففيها خلاف وتفصيل يأتي في موضعه ـ إن شاء الله تعالى ـ ، وليس هذا كما زعم بعضهم : أنه من باب الفصل بين حرف العطف وهو على حرف واحد ، وبين المعطوف بالجار والمجرور ، وجعله دليلا على أبي عليّ الفارسيّ ؛ حيث منع ذلك إلا في ضرورة ؛ لأن هذا من باب عطف شيئين على شيئين ؛ كما ذكرت لك ، لا من باب الفصل ، ومحلّ الخلاف إنما هو نحو : «أكرمت زيدا وعندك عمرا» ، وإنما يردّ على أبي عليّ بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء : ٥٨] وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : ١٢].
فصل
ذكر المفسّرون في الحسنيين وجوها :
قال عليّ بن أبي طالب : في الدّنيا امرأة صالحة ، وفي الآخرة الجنّة (٢) ؛ روي عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ أنه قال : الدّنيا كلّها متاع وخير متاعها المرأة الصّالحة (٣).
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٨٨.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٧.
(٣) أخرجه مسلم كتاب الرضاع باب ١٧ رقم (٦٤) رقم (١٤٦٧) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٣ / ٣١٠).