قوله : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) السّريع فاعل من السّرعة قال ابن السّكّيت (١) : سرع يسرع سرعا وسرعة ، فهو سريع ؛ مثل عظم يعظم.
و «الحساب» مصدر كالمحاسبة ، ومعنى الحساب في اللّغة : العدّ ؛ قال : حسب يحسب حسابا وحسبة وحسبا إذا عدّ ذكره الليث وابن السّكّيت (٢) ، والحسب ما عدّ ؛ ومنه حسب الرّجل : وهو ما يعدّ من مآثره ومفاخره ، والمعنى أنّ الله سريع الحساب : لا يحتاج إلى عدّ ولا إلى عقد كما يفعله الحسّاب ، والاحتساب : الاعتداد بالشّيء.
وقال الزّجّاج (٣) : الحساب في اللّغة مأخوذ من قولهم : «حسبك كذا» ، أي : كفاك ، فسمّي الحساب في المعاملات حسابا ؛ لأنّه يعلم به ما فيه كفاية ، وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان.
وقيل : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) قال الحسن (٤) : أسرع من لمح البصر.
وقيل : إتيان القيامة قريب ؛ لأن ما هو آت لا محالة قريب ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى : ١٧].
وقيل : سريع الحساب ، أي : سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم ؛ لأنّه ـ تعالى ـ في الوقت الواحد يسأله السّائلون ، كلّ واحد منهم أشياء مختلفة من أمور الدّنيا والآخرة ، فيعطي كلّ واحد مطلوبه من غير أن يشتبه عليه شيء من ذلك.
فصل في أن الله هو المحاسب
اختلف الناس في معنى كونه ـ تعالى ـ محاسبا للخلق على وجوه :
أحدها : أنّ معنى الحساب : أنّه ـ تعالى ـ يعلّمهم ما لهم و [ما] عليهم ، بمعنى أنّه يخلق علوما ضروريّة في قلوبهم ، بمقادير أعمالهم وكمّيّتها وكيفيّاتها ، ومقادير ما لهم من الثّواب والعقاب.
قالوا : ووجه المجاز فيه أنّ الحساب سبب لحصول علم الإنسان بما له و [ما] عليه ، فإطلاق اسم الحساب على هذا الإعلام يكون من باب إطلاق اسم السّبب على المسبّب ، وهو مجاز مشهور.
ونقل عن ابن عباس (٥) ـ رضي الله عنهما ـ أنّه قال : لا حساب على الخلق ، بل يقفون بين يدي الله ـ تعالى ـ ، يعطون كتبهم بأيمانهم فيها سيئاتهم ، فيقال لهم : هذه سيّئاتكم قد تجاوزت عنها ، ثم يعطون حسناتهم ، ويقال لهم : هذه حسناتكم قد ضاعفتها لكم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٢.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٢.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٢.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١ / ١٧٨.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٢.