قال الكوفيّون : الألف والتّاء في «معدودات» لأقلّ العدد.
وقال البصريّون : هما للقليل والكثير ؛ بدليل قوله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ : ٣٧] والغرفات كثيرة.
فصل
اعلم أنّ الله ـ تعالى ـ لمّا ذكر المشعر الحرام ، لم يذكر الرّمي لوجهين :
أحدهما : أنّ ذلك كان أمرا مشهورا عندهم ، وكانوا منكرين لذلك إلّا أنّه ـ تعالى ـ ذكر ما فيه من ذكر الله ـ تعالى ـ ؛ لأنهم كانوا لا يفعلونه.
الثاني : لعلّه إنما لم يذكر الرّمي ؛ لأن في الأمر بذكر الله في هذه الأيّام دليلا عليه ؛ إذ كان من سنّته التكبير على كلّ حصاة.
فصل
قال هنا : في أيّام معدودات ، وفي سورة الحجّ : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) [الحج : ٢٨] ، فقال أكثر أهل العلم : الأيّام المعلومات : عشر ذي الحجّة ، آخرهن يوم النّحر.
والمعدودات : هي أيّام التّشريق (١) ؛ وهي أيّام منى ، ورمي الجمار ، وسمّيت معدودات لقلّتهن ؛ كقوله : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف : ٢٠] ولقوله تعالى بعده : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وأجمعت الأمّة على أنّ هذا الحكم إنّما يثبت في أيّام منى ؛ وهي أيّام التّشريق.
قال الواحديّ (٢) ـ رحمهالله ـ : أيّام التّشريق ثلاثة أيّام بعد يوم النّحر :
أولها : يوم النّفر ؛ وهو الحادي عشر من ذي الحجّة ، يستقرّ النّاس فيه بمنّى.
والثاني : يوم النّفر الأول ؛ لأن بعض النّاس ينفرون في هذا اليوم من منّى.
والثّالث : يوم النّفر الثّاني ، وهذه الأيّام الثّلاثة مع يوم النّحر كلّها أيّام النّحر ، وعند أحمد ـ رحمهالله ـ : عند آخر وقت النّحر إلى يومين من أيّام التّشريق ، وأيّام التّشريق مع يوم النّحر أيام رمي الجمار ؛ وأيّام التكبير أدبار الصّلوات.
واستدلّ القفّال على أنّ الأيّام المعدودات هي أيّام التّشريق بما روى عبد الرّحمن بن يعمر الدئلي ؛ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر مناديا فنادى : «الحجّ عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٠٨) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٣ / ٣٥٩) رقم (٣٧٦٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٢٠) وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد والمروزي في «العيدين» وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٤.