الدّنيا» لا دلالة فيه على صفة مذمومة ، إلّا من جهة الإيماء (١) الحاصل بقوله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، فإنّك إذا قلت : فلان حلو الكلام فيما يتعلّق بالدّنيا أوهم نوعا من المذمّة.
وقوله : (يُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) لا دلالة فيه على حالة منكرة ، وإن أضمرنا فيه أنّه يشهد الله على ما في قلبه ، مع أنّ قلبه بخلاف ذلك لأنّه ليس في الآية أنّ القول الّذي أظهره هو الإسلام والتّوحيد حتى يكون خلافه نفاقا ، بل يحتمل أن يضمر الفساد ، ويظهر ضدّه ، فيكون مرائيا.
وقوله : (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) أيضا لا يوجب النّفاق.
وقوله : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) فالمفسد قد يكون مسلما.
وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أيضا لا يقتضي النّفاق ، إلّا أنّ المنافق داخل في هذه الصّفات الخمس ، والمرائي أيضا.
فصل في ما أثر عن السلف في بيان «ألد الخصام»
قال مجاهد : ألدّ الخصام : معناه : ظالم لا يستقيم (٢) وقال السّدّيّ ـ رحمهالله تعالى ـ أعوج الخصام (٣).
وقال قتادة : شديد القسوة في المعصية ، جدل بالباطل ، عالم اللّسان ، جاهل العمل ، يتقلد بالحكمة ، ويعمل بالخطيئة (٤).
فصل في بيان أمر الاحتياط في الدّين
قال القرطبيّ (٥) : قال علماؤنا : في الآية الكريمة دليل على أنّ الاحتياط فيما يتعلق بأمور الدّين والدّنيا ، واستبراء أحوال الشهود والقضاة ، وأنّ الحاكم لا يعمل على ظاهر
__________________
(١) الإيماء : هو الاقتران بحكم ، لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل ، كان بعيدا ، فيحمل على التعليل ؛ دفعا للاستبعاد ، وعرّفه بعض الأصوليين بأنه : ما يدل على عليّة وصف لحكم بواسطة قرينة من القرائن ، ويسمى بالتنبيه أيضا ، وله ستة أنواع ، وقد جعله بعضهم مسلكا مستقلا ؛ لأنه لا يدل على العليّة صراحة ، وبعضهم أدرجه تحت مسلك النص.
انظر : الإحكام للآمدي (٣ / ٦٣) ، مختصر ابن الحاجب ص (١٨٨) ، العضد (٢ / ٢٣٤) ، جمع الجوامع (٢ / ٣٦٦) نهاية السّول (٤ / ٦٣) شرح الكوكب المنير ص (٥١١) ، التلويح (٢ / ٦٨) ، إرشاد الفحول ص (٢١٢).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٣٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٢٨) وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٣٦) عن السدي.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٣٦) عن قتادة.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٢.