ويقال : احرث القرآن ؛ أي : ادرسه ، وحرثت النّاقة وأحرثتها ، أي : سرت عليها حتّى هزلت ، وحرثت النّار حرّكتها والمحراث ما يحرك به نار التّنور نقله الجوهري. وقد تقدّم.
والنّسل : مصدر نسل ينسل ، أي : خرج بسرعة ، ومنه : نسل وبر البعير ، ونسل ريش الطّائر ، أي : خرج وتطاير وقال القرطبيّ (١) : النّسل ما خرج من كلّ أنثى من ولد وأصله الخروج ، والسّقوط.
وقيل : النّسل الخروج متتابعا ، ومنه : «نسال الطّائر» ما تتابع سقوطه من ريشه ؛ قال امرؤ القيس : [الطويل]
١٠١٤ ـ وإن تك قد ساءتك منّي خليقة |
|
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل (٢) |
وقوله : (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) [النساء : ٩٦] يحتمل المعنيين. و «الحرث والنّسل» وإن كانا في الأصل مصدرين فإنهما هنا واقعان موقع المفعول به.
فصل في المراد ب «التولي»
ذكروا في هذا التولّي قولين :
أحدهما : معناه : إذا انصرف من عندك سعى بالفساد (٣) ، وهذا الفساد يحتمل وجهين :
أحدهما : إتلاف الأموال بالتّخريب ، والتّحريق ، والنّهب كما تقدّم.
والوجه الثاني : أنّه كان بعد الانصراف من حضرة النّبيّ ـ عليهالسلام ـ يلقي الشّبه في قلوب المؤمنين ويستخرج الحيل في تقوية الكفر ، قال تعالى حكاية عن فرعون (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) [غافر : ٢٦] وسمي هذا المعنى فسادا ، لأنّه يوقع اختلافا بين النّاس ، ويفرّق كلمتهم ، ويتبّرأ بعضهم من بعض ؛ فتنقطع الأرحام وتسفك الدماء.
القول الثّاني في التّولّي والسّعي ؛ أي : رجع عن قوله واجتهد في إيقاع الفساد ، وأصل السّعي المشي بسرعة ، ولكنّه يستعار لإيقاع الفتنة بين النّاس ، ومنه يقال : فلان يسعى بالنّميمة ، والمراد ب «الحرث» الزّرع وب «النّسل» : تلك الحمر على التّفسير الأوّل ، وهو يقع على ما يحرث ويزرع.
وقيل : إنّ الحرث هو شقّ الأرض ، ويقال لما يشقّ به : محرث.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٤.
(٢) ينظر : ديوانه (١٣) ، شرح القصائد العشر (٧٦) ، الدر المصون : ١ / ٥٠٦.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٣٧) عن ابن عباس.