والثاني : أن تكون حالا من المفعول ، أي : أخذته ملتبسا بالإثم.
قال القرطبيّ : وقيل : «الباء» بمعنى «مع» أي : أخذته العزّة مع الإثم.
وفي قوله : «العزّة بالإثم» من علم البديع التتميم وهو عبارة عن إرداف الكلمة بأخرى ، ترفع عنها اللّبس ، وتقرّبها من الفهم ، وذلك أنّ العزّة تكون محمودة ومذمومة.
فمن مجيئها محمودة : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] فلو أطلقت لتوهّم فيها بعض من لا عناية له المحمودة ؛ فقيل «بالإثم» تتميما للمراد ، فرفع اللّبس بها.
فصل
اعلم أنّ الله سبحانه وتعالى حكى عن هذا المنافق أفعالا مذمومة وهي اشتغاله بالكلام الحسن في طلب الدّنيا ، واستشهاده بالله كذبا ولجاجة في أبطال الحقّ وإثبات الباطل ، وسعيه في الأرض بالفساد ، وإهلاك الحرب والنّسل ، وكلّها أفعال قبيحة ، فالظاهر من قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ) أن يصرف إلى الكلّ ؛ لأنّ صرفه إلى البعض ليس أولى من البعض ، فكأنّه قيل له : اتّق الله في إهلاك الحرث والنّسل ، وفي السّعي بالفساد ، وفي اللّجاج في إبطال الحقّ ونصرة الباطل ، وفي الاستشهاد بالله كذبا ، وفي الحرص على طلب الدّنيا.
وقيل : قوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) راجع إلى أنه قيل له : اتّق الله فقط ؛ على ما سيأتي ، فيكون معنى الآية الكريمة أنّ الموصوف بهذه الصّفات هو الّذي إذا قيل له : اتّق الله ، أخذته العزة بالإثم ؛ فحسبه جهنّم.
و «العزّة» القوّة والغلبة من : عزّه يعزّه ، إذا غلبه ، ومنه (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣].
وقيل : العزّة هنا : الحميّة ؛ قال الشّاعر : [الرّمل]
١٠١٦ ـ أخذته عزّة من جهله |
|
فتولّى مغضبا فعل الضّجر (١) |
وقيل : العزّة هنا : المنعة وشدّة النّفس ، أي : اعتزّ في نفسه ، فأوقعته (٢) تلك العزّة في الإثم ، وألزمته إيّاه.
قوله : «فحسبه جهنّم» ، «حسبه» مبتدأ ، و «جهنّم» خبره أي : كافيهم جهنّم ، وقيل : «جهنّم» فاعل ب «حسب» ، ثمّ اختلف القائل بذلك في «حسب» فقيل : هو بمعنى اسم الفاعل ، أي : الكافي ، وهو في الأصل مصدر أريد به اسم الفاعل ، والفاعل ـ وهو جهنّم
__________________
(١) تقدم برقم ١٠١٥.
(٢) في ب : فإذا وقعت.