مفلتة ممّا قبلها ، إذ ليس لها موضع من الإعراب ، وليست معترضة ، ولا مفسّرة ، ولا صلة. والمهاد فيه قولان :
أحدهما : أنّه جمع «مهد» ، وهو ما يوطّأ للنوم قال تعالى : و (فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) [الذاريات : ٤٨].
والثاني : أنه اسم مفرد ، سمّي به الفراش الموطّأ للنّوم وقيل : «المستقر» كقوله تعالى : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) [إبراهيم : ٢٩] وهذا من باب التّهكم والاستهزاء ، أي : جعلت جهنّم لهم بدل مهاد يفترشونه ؛ وهو كقوله : [الوافر]
١٠١٨ ـ وخيل قد دلفت لها بخيل |
|
تحيّة بينهم ضرب وجيع (١) |
أي : القائم لهم مقام التحية ، الضرب الوجيع.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٢٠٧)
لمّا وصف في الآية المتقدّمة حال من يبذل دينه لطلب الدّنيا ذكر في هذه الآية حال من يبذل دينه ونفسه لطلب الدين ، وفي سبب النزول روايات (٢).
إحداها : عن ابن عبّاس ، والضّحّاك (٣) : أنّها نزلت في سريّة الرّجيع ، وذلك أنّ كفّار قريش بعثوا إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو بالمدينة ، أنّا قد أسلمنا ، فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك ؛ يعلّموننا دينك ، وكان ذلك مكرا منهم فبعث إليهم خببب بن عديّ الأنصاريّ ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ ، وخالد بن بكير ، وعبد الله بن طارق بن شهاب البلويّ ، وزيد بن الدّثنّة ، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّ.
قال أبو هريرة (٤) : بعث رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عشرة عينا ، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّ (٥) فساروا ، فنزلوا بطن «الرّجيع» بين مكّة والمدينة ، ومعهم تمر عجوة ، فأكلوا فمرّت عجوز ، فأبصرت النّوى ، فرجعت إلى قومها بمكة ، وقالت : قد سلك هذا الطريق أهل يثرب من أصحاب محمّد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فركب سبعون رجلا منهم معهم الرّماح ، حتى أحاطوا بهم.
وقال أبو هريرة (٦) : ذكروا الحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنفروا لهم بقريب من مائة راجل رام ، فاقتفوا آثارهم ، حتّى وجدوا مآكلهم التمر في منزل نزلوه ؛ فقالوا : تمر يثرب ، فاتّبعوا آثارهم ، فلمّا أحسّ بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد ، فأحاط بهم
__________________
(١) تقدم برقم ٧٢٠.
(٢) في ب : وجوه.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٠.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨١.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨١.