وأما حمل الآية على الاستقبال ففيه إشكال وهو أن قوله : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) ينفي أن يكون أحد منهم قد اتبع قبلة الآخر ، لكن ذلك قد وقع فيفضي إلى الخلف ، وجوابه أنا إن حملنا أهل الكتاب على علمائهم الذين كانوا في ذلك الزمان ، فلم يثبت عندنا أن أحدا منهم تبع قبلة الآخر ، فالخلف غير لازم.
وإن حملناه على الكل قلنا : إنه عامّ دخله التخصيص.
قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) كقوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ).
وقوله : «إنّك» جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف كما تقدم في نظيره.
قال أبو حيان : لا يقال : إنه يكون جوابا لهما لامتناع ذلك لفظا ومعنى.
أما المعنى فلأن الاقتضاء مختلف ، فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له فيه ؛ لأن القسم إنما جيء به توكيدا للجملة المقسم عليها ، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملا ، واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه ، فتكون الجملة في موضع جزم ، وعمل الشرط لقوة طلبه له.
وأما اللفظ فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم لم تحتج إلى مزيد رابط ، فإذا كانت جواب شرط احتاجت إلى مزيد رابط وهو الفاء ، ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها ، فلذلك امتنع أن تكون جوابا لهما معا.
فصل في الهوى
الهوى المقصور : هو ما يميل إليه الطبع [وقيل : هو شهوة نتجت عن شبهة ، والممدود هو الجو](١).
اختلفوا في المخاطب بهذا الخطاب.
قال بعضهم : الرسول.
وقال بعضهم : الرسول وغيره.
وقال آخرون : بل غيره ؛ لأنه ـ تعالى ـ عرف أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يفعل ذلك ، فلا يجوز أن يخصّه بهذا الخطاب ، وهذا خطأ من وجوه :
أحدها : أنه لو كان كل ما علم الله أنه لا يفعله وجب ألا ينهاه عنه ، لكان ما علم أن يفعله وجب ألا يأمره به ، وذلك يقتضي ألا يكون النبي مأمورا بشيء ، ولا منهيّا عن شيء ، وإنه بالاتفاق باطل.
وثانيها : لو لا تقدم النهي والتحذير لما احترز النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عنه فلما كان ذلك الاحتراز
__________________
(١) سقط في ب.