المضموم ؛ ليعلموا أنّ الضّمّة كالمنطوق بها. وقد أمال الكسائيّ (١) وورش «مرضات».
وفي قوله : «بالعباد» خروج من ضمير الغيبة إلى الاسم الظّاهر ؛ إذ كان الأصل «رؤوف به» أو «بهم» وفائدة هذا الخروج أنّ لفظ «العباد» يؤذن بالتشريف ، أو لأنه فاصلة فاختير لذلك.
فصل
إذا قلنا بأنّ المراد من هذا الشراء البيع ، فتحقيقة أنّ المكلّف باع نفسه بثواب الآخرة ، وهذا البيع هو أنّه بذلها في طاعة الله تعالى من الصلاة ، والصيام ، والحج والجهاد ، ثم يتوصل بذلك إلى وجدان ثواب الله تعالى فكان ما يبذله من نفسه كالسّلعة ، فكأنّه كالبائع ، والله كالمشتري ؛ كما قال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة : ١١١] وقد سمّى الله تعالى ذلك تجارة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [الصف : ١٠ ، ١١] وإن أجرينا الآية على ظاهرها ، وقلنا : إنّ المراد هو الشراء ، فإن من أقدم على الكفر ، والتوسّع في ملاذّ الدنيا ، والإعراض عن الآخرة ، وقع في العذاب الدّائم ، فصار كأنّ نفسه كانت له ، فبسبب الكفر والفسق خرجت عن ملكه ، وصارت حقّا للنار ، فإذا ترك الكفر والفسق ، وأقبل على الإيمان والطاعة صار كأنه اشترى نفسه من النار والعذاب.
فإن قيل : إن الله تعالى جعل نفسه مشتريا بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) وهذا يمنع كون المؤمن مشتريا.
فالجواب : أنه لا منافاة بين الأمرين ؛ فهو كمن اشترى ثوبا بعبد ، فكل واحد منهما بائع ومشتر فكذا هاهنا.
فصل
يدخل تحت هذا كلّ مشقّة يتحملها الإنسان في طلب الدّين ؛ كالجهاد والصابر (٢) على القتل ، كقتل والد عمّار وأمّه ، والآبق من الكفّار إلى المسلمين ، والمشتري نفسه من الكفار بماله ، كفعل صهيب ، ومن يظهر الدين والحقّ عند السلطان الجائر.
روي أنّ عمر ـ رضي الله عنه ـ بعث جيشا ، فحاصروا قصرا ، فتقدّم منهم واحد
__________________
(١) انظر : العنوان ٧٣ ، وإتحاف ١ / ٤٣٤ ، وحجة القراءات ١٢٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ٩٦ ، والبحر المحيط ٢ / ١٢٨ ، والدر المصون ١ / ٥٠٩.
(٢) في ب : والصبر.