بالكسر ، فهما لغتان ؛ كضللت ، وضللت. و «ما» في «من بعدما» مصدريّة ، و «من» لابتداء الغاية ، وهي متعلّقة ب «زللتم».
معنى «زللتم» أي : ضللتم ، وقيل : ملتم ، يقال : زلّت قدمه تزلّ زلّا وزللا ، إذا دحضت ، وأصل الزلل في القدم ، واستعماله في الاعتقادات.
فصل
يروى عن ابن عباس : فإن زللتم في تحريم السّبت ، ولحم الإبل ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) يعني محمّدا وشرائعه ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) في كلّ أفعاله ، فعند هذا قالوا : لئن شئت يا رسول الله ، لنتركنّ كلّ كتاب غير كتابك ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦] ومن قال : إن الآية الأولى في المنافقين قال في هذه الآية كذلك.
فإن قيل : إنّ الحكم المشروط إنما يحسن في حقّ من لا يكون عالما بعواقب الأمور ، وأجاب قتادة (١) عن ذلك فقال : قد علم أنّهم سيزلون ، ولكنه تعالى قدّم ذلك ، وأوعد فيه ؛ ليكون له الحجّة عليهم.
فصل
قوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) يتناول جميع الدلائل العقليّة والسمعيّة.
أمّا العقليّة ، فالعلم بحدوث العالم ، وافتقاره إلى صانع يكون عالما بكلّ المعلومات ، قادرا على كل الممكنات ، غنيّا عن كل الحاجات.
وأمّا السمعيّة : فهي البيان الحاصل بالقرآن والسّنّة.
فصل
قال القرطبيّ (٢) : دلت الآية على أنّ عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به ، ومن لم تبلغه دعوة الإسلام لا يكون كافرا بترك الشّرائع.
فصل
قال القاضي (٣) : دلّت الآية على أنّ المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلّا بعد البيان ، وإزاحة العلّة ، ودلت الآية على أنّ المعتبر حصول البيّنات ، لا حصول اليقين من المكلف.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧١.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ١٨.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧٩.