وقوله : «عزيز» يدلّ على الزّجر ، والتهديد ، والوعيد ؛ لأن العزيز هو الذي لا يمنع عن مراده ، وذلك إنما يحصل بكمال القدرة ، وهو تعالى قادر على كل الممكنات ، فكأنّه تعالى قال : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) فاعلموا أنّ الله قادر عليكم ، لا يمنعه عنكم مانع ، وهذا نهاية في الوعيد ، لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب ؛ كقول السيّد لعبده : إن عصيتني فأنت عارف بي ، وتعلم قدرتي عليك ، والآية كما أنها تدلّ على نهاية الوعد بقوله : «حكيم» فإنّ اللائق بالحكمة أن يميز بين المحسن والمسيء ، فكما يحسن من الحكيم إيصال العذاب إلى المسيء يحسن منه إيصال الثواب إلى المحسن ، بل هذا أليق بالحكمة ، وأقرب للرحمة ، وهذه الآية تدلّ على أنّه لا وجوب لشيء قبل الشّرع ؛ لأنه تعالى أثبت التهديد بشرط مجيء البينات ، وقبل الشرع لم تحصل كلّ البيّنات.
فصل
قال الجبّائيّ (١) : المجبرة تقول : إن الله تعالى يريد الكفر من الكفّار ، والسّفاهة من السّفهاء ، والله تعالى وصف نفسه بأنه حكيم ، ومن فعل السّفه وأراده لا يكون حكيما ، وأجيب بأن الحكيم هو العالم بعواقب الأمور ، فمعنى كونه تعالى حكيما أنّه عالم بجميع المعلومات وذلك لا ينافي كونه خالقا لكل الأشياء ، ومريدا لها.
فصل
يحكى أنّ قارئا قرأ (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فسمعه أعرابيّ ، فأنكره ؛ وقال : إنّ هذا كلام الله تعالى فلا يقول كذا ؛ الحكيم لا يذكر الغفران عند الزّلل ؛ [لأنه إغراء عليه].
قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠)
«هل» لفظه استفهام والمراد به النفي ؛ كقوله : [الطويل]
١٠٢٧ ـ وهل أنا إلّا من غزيّة إن غوت |
|
غويت ، وإن ترشد غزيّة أرشد (٢) |
أي : ما ينظرون ، وما أنا ، ولذلك وقع بعدها «إلّا» كما تقع بعد «ما». و «هل» تأتي على أربعة أوجه :
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٨٠.
(٢) البيت لدريد بن الصمة ينظر : الحماسة ١ / ٣٩٧ ، الأصمعيات (١٠٧) ، الخزانة ٤ / ٥١٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨١٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٨ ، والشعر والشعراء ٢ / ٧٥٤ ، واللسان (غزا) و (غوى) ، وجواهر الأدب ص ٣٦ ، والبحر ٢ / ١٣٢ ، والدر المصون ١ / ٥١٢.