خطابا مع اليهود ، [وحينئذ يكون قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) حكاية عن اليهود](١) ، والمعنى : أنهم لا يقبلون دينك حتى يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وذلك لأنهم فعلوا مع موسى عليه الصلاة والسلام مثل ذلك ، فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥].
وإذا كان هذا حكاية عن اليهود ، لم يمتنع إجراء الآية على ظاهرها ؛ لأن اليهود كانوا مشبّهة ، وكانوا يجوّزون على الله تعالى المجيء والذّهاب ، وكانوا يقولون : إنّه تعالى تجلّى لموسى ـ عليهالسلام ـ على الطّور في ظلل من الغمام ، وطلبوا مثل ذلك في زمن محمد ـ عليهالسلام ـ وعلى هذا فيكون الكلام حكاية عن معتقد اليهود القائلين بالتشبيه ، فلا يحتاج حينئذ إلى تأويل ، ولا إلى حمل اللفظ على المجاز.
وبالجملة فالآية الكريمة تدلّ على أنّ قوما ينتظرون أن يأتيهم الله ، وليس في الآية دلالة على أنهم محقّون في ذلك الانتظار ، أو مبطلون ؛ فزال ذلك الإشكال.
فإن قيل : فعلى هذا التّأويل ، كيف يتعلق قوله تعالى : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)؟
قلنا : الوجه فيه أنّه تعالى لمّا حكى عنادهم ، وتوقفهم في قبول الدّين على هذا الشرط الفاسد ، ذكر بعده ما يجري مجرى التهديد ، فقال : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
قال ابن تيميّة : وهذا من أعظم الافتراء على الله ، وعلى كتابه ؛ حيث جعل خطاب الله مع المؤمنين خطابا مع اليهود وهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) أنّ ذلك خطابا مع اليهود ، مع أنّ الله تعالى دائما يفصل في كتابه بين الخطابين ، فيقول للمؤمنين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، ويقول لأولئك : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) ، و (يا أَهْلَ الْكِتابِ) ، فكيف يجعل خطاب المؤمنين الصريح خطابا لليهود فقط؟ وهذا من أعظم تبديل للقرآن.
وأيضا فقوله بعد ذلك : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) لا يقال : إن زللتم لمن هم مقيمون على الكفر والضلال.
وأما قوله في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) أنه من اعتقاد اليهود الفاسد ، لا من كلام الله تعالى الذي توعّد به عباده ، فهذا افتراء على الله ، وكذب على اليهود ، وأيضا فإنه لم ينقل أحد عنهم أنهم كانوا ينتظرون في زمن محمد ـ عليهالسلام ـ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام.
وقد ذكر المفسرون وأهل السّير والمغازي في مخاطبات اليهود الذين كانوا بالحجاز للنبي صلىاللهعليهوسلم مع كثرة من كان من اليهود بالحجاز ، وكثرة ما نزل بسببهم من القرآن ، وكذلك ما نقل عنهم أنّهم كانوا يقولون : إنّ الله تجلّى ل «موسى» على الطّور في ظلل من الغمام وهو أمر لم يذكره الله تعالى عنهم على هذا الوجه ، فإن كان هذا حقّا عنهم ، وكانوا
__________________
(١) سقط في ب.