ينتظرون مثل ذلك ، فيكونون قد جوّزوا أن يكون الله تجلّى لرسول الله كما تجلّى لموسى ، ومعلوم أنّ اليهود لم يقولوا ذلك ، وما ذكره الله تعالى عنهم من طلبهم رؤية الله جهرة ، فهذا حقّ ، ولكن أخبر أنّهم طلبوا الرؤية ولم يخبر أنّهم انتظروها ، والمطلب للشيء معتقد ؛ لأنه يكون لا طالب من غير أن يكون ، وهذا كقوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) [البقرة : ١٠٨].
قوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢١١)
قرأ الجمهور : «سل» وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون من لغة : سال يسال ، مثل : خاف يخاف ، وهل هذه الألف مبدلة من همزة ، أو واو ، أو ياء؟ خلاف تقدّم في قوله : (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١] فحينئذ يكون الأمر منها : «سل» مثل «خف» لمّا سكنت اللام حملا للأمر على المجزوم ، التقى ساكنان فحذفت العين لذلك ، فوزنه على هذا فل ، وبهذا التقدير قرأ نافع (١) ، وابن عامر «سال سائل» على وزن «قال» ، «وكان».
والثاني : أن تكون من سأل بالهمز.
قال قطرب : سأل يسأل مثل زار الأسد يزأر ، والأصل : اسأل ثم ألقيت حركة الهمزة على السّين ، تخفيفا ، واعتددنا بحركة النقل ، فاستغنينا عن همزة الوصل فحذفناها ، ووزنه أيضا فل بحذف العين ، وإن اختلف المأخذ.
وروى عباس عن أبي عمرو : «اسأل» على الأصل من غير نقل. وقرأ قوم (٢) : «اسل» بالنقل وهمزة الوصل ، كأنّهم لم يعتدّوا بالحركة المنقولة كقولهم : «الحمر» بالهمز.
وقرأ بعضهم «سل بني إسرائيل» بغير همز ، وقرأوا (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) [يونس : ٩٤] (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء : ٣٢] بالهمز ، وقرأ (٣) الكسائيّ الكلّ بغير همز اتّباعا للمصحف ، فإنّ الألف ساقطة فيها أجمع ، و «بني» مفعول أول عند الجمهور.
وقوله : «كم آتيناهم» في «كم» وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب. واختلف في ذلك فقيل : نصبها على أنها مفعول ثان ل «آتيناهم» على مذهب الجمهور ، وأول على مذهب السّهيلي ، كما تقدّم.
__________________
(١) ستأتي في المعارج.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٨٤ ، البحر المحيط ٢ / ١٣٥ ، والدر المصون ١ / ٥١٤.
(٣) ستأتي.