الصلاة والسلام ـ قال : تبديلها أنّ الله تعالى لمّا أظهرها لتكون أسبابا لضلالهم ، فجعلوها أسبابا لضلالهم ، كقوله : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥].
ومن قال : المراد بالآيات ما في التّوراة والإنجيل من دلائل نبوّة محمّد ـ عليهالسلام ـ قال : تبديلها تحريفها ، وإدخال الشّبهة فيها.
والقول الثاني : أنّ النعمة هي ما آتاهم الله من الصّحّة ، والأمن ، والكفاية ، فتركوا القيام بما وجب عليهم من العلم بتلك الآيات.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) ، أي : من بعد التمكّن من معرفتها ، أو من بعدما عرفها ؛ كقوله : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ٧٥] إن فسرنا النعمة بالقول الأول ، وإن فسرنا النعمة بالصحة والأمن ، فلا شك أن عند حصولها يجب الشكر ، ويقبح الكفر ، فلهذا قال : (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
وقال الطّبريّ : النعمة هنا الإسلام.
وقال الواحديّ (١) ـ رحمهالله ـ : وفيه إضمار والمعنى شديد العقاب له.
قال عبد القاهر النّحويّ في كتاب «دلائل الإعجاز» : إنّ ترك هذا الإضمار أولى ؛ لأنّ المقصود من الآية التخويف بكونه في ذاته موصوفا بأنه شديد العقاب لهذا أو لذاك ، ثم قال الواحديّ (٢) : والعقاب عذاب يعقب الجرم.
قال القرطبيّ : مأخوذ من العقب ، كأنّ المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه ، ومنه عقبة الراكب [وعقبة القدر].
قوله تعالي : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢١٢)
قوله تعالى : (زُيِّنَ:) إنّما لم تلحق الفعل علامة تأنيث لوجوه :
أحدها : قال الفرّاء (٣) : لأنّ الحياة والإحياء واحد ، فإن أنث ، فعلى اللّفظ ، وبها قرأ (٤) ابن أبي عبلة ، وإن ذكّر ، فعلى المعنى ؛ كقوله : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥] (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [هود : ٦٧].
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤ ـ ٥.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥.
(٤) قرأ ابن أبي عبلة : «زيّنت».
انظر : الشواذ ١٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٨٤ ، والبحر المحيط ٢ / ١٣٨ ، والدر المصون ١ / ٥١٧.