قلنا : هذا القدر لا ينافي العموم ، ولا يقتضي تخصيصه ؛ بل الأقرب أن يكون الكل قد قالوا ذلك ؛ لأن الأعداء مجبولون على القدح والطعن ، فإذا وجدوا مجالا لم يتركوا مقالا](١).
قوله تعالى : (مِنَ النَّاسِ) في محلّ نصب على الحال من «السفهاء» والعامل فيها «سيقول» ، وهي حال مبينة ، فإن السّفه كما يوصف به الناس يوصف به غيرهم من الجماد والحيوان ، وكما ينسب القول إليهم حقيقة ينسب لغيرهم مجازا ، فرفع المجاز بقوله : «من النّاس» ذكره ابن عطية وغيره.
قوله : (ما وَلَّاهُمْ) «ما» مبتدأ ، وهي استفهامية على وجه الاستهزاء والتعجب ، والجملة بعدها خبر عنها و «عن قبلتهم» متعلّق ب «ولّاهم» ، ولا بد من حذف مضاف في قوله : «عليها» أي : على توجهها ، أو اعتقادها ، وجملة الاستفهام في محلّ نصب بالقول والاستعلاء في قوله : «عليها» مجاز ، نزّل مواظبتهم على المحافظة عليها منزلة من استعلى على الشيء ، والله أعلم.
فصل في الكلام على التولّي
ولّاه عنه : صرفه عنه ، وولى إليه بخلاف ولّى عنه ، ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) [الأنفال : ١٦] وفي هذا التولّي قولان :
المشهور عند المفسرين : أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة عاب الكفار المسلمين ، فقالوا : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) فالضّمير في قوله : «ما ولّاهم» للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمؤمنين والقبلة التي كانوا عليها هي «بيت المقدس».
واختلفوا في تاريخ تحويل القبلة بعد ذهابه إلى «المدينة» فقال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر (٢) وقال معاذ : بعد ثلاثة عشر شهرا (٣) ، وقال قتادة : بعد ستة عشر شهرا (٤).
وعن ابن عباس والبراء بن عازب بعد سبعة عشر شهرا (٥) ، [وهذا القول أثبت عندنا من سائر الأقوال.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٦٣) عن أنس وعزاه للبزار. وأخرجه الطبري (٣ / ١٣٥).
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢ / ١٣) وقال : رواه البزار وفيه عثمان بن سعد ضعفه يحيى القطان وابن معين وأبو زرعة ووثقه أبو نعيم الحافظ وقال أبو حاتم : شيخ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٣٦) عن معاذ بن جبل.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٣٩ ـ ١٤٠) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور».
(٥) أخرجه البخاري (٨ / ١٣٢) ومسلم (١ / ١٤٨) والطبري (٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤) وأخرجه الطبري (٣ / ١٣٣) وابن ماجه (١٠١٠) من طريق آخر عن البراء بن عازب أيضا.