المعطى محقّا أو مبطلا ، بل بمحض المشيئة ؛ كما وسّع على قارون وضيّق على أيّوب ـ عليهالسلام ـ فقد يوسّع على الكافر ، ويضيق على المؤمن ؛ ابتلاء وامتحانا ؛ كما قال : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) [الزخرف : ٣٣].
وثانيها : أنّ الله يرزق من يشاء في الدنيا : من كافر ، ومؤمن بغير حساب يكون لأحد عليه ولا مطالبة ، ولا تبعة (١) ، ولا سؤال سائل.
والمقصود منه : ألّا يقول الكافر : إنّ المؤمن على الحق فلم لم يوسّع عليه في الدنيا؟ وألّا يقول المؤمن : لو كان الكافر مبطلا ، فلم يوسّع عليه في الدنيا؟ بل الاعتراض ساقط ؛ و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣].
وثالثها : بغير حساب أي : من حيث لا يحتسب ؛ كما يقول من جاءه ما لم يكن في قلبه : لم يكن هذا حسابي.
قال القفّال (٢) ـ رحمهالله ـ : وقد فعل ذلك بهم ، فأغناهم بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش ورؤساء اليهود ، وبما فتح على رسوله ، بعد وفاته على أيدي أصحابه ، حتى ملكوا كنوز كسرى ، وقيصر.
قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢١٣)
وجه النظم أنه لما بيّن أن سبب إصرار الكفّار على كفرهم ، هو حبّ الدنيا بين في هذه الآية أن هذا المعنى غير مختص بهذا الزمان ، بل كان حاصلا في الأزمنة المتقادمة ، فإنّهم كانوا أمة واحدة على الحق ، ثم اختلفوا ، وما كان اختلافهم إلّا بسبب البغي ، والتحاسد ، والتّنازع في طلب الدنيا.
قال القفّال (٣) : «الأمّة» هم المجتمعون على الشّيء الواحد ، يقتدي بعضهم ببعض ؛ مأخوذ من الائتمام.
ودلّت الآية على أنّ الناس كانت أمّة واحدة ، ولم تدلّ على أنّهم كانوا أمّة واحدة : في الحقّ ، أم في الباطل.
__________________
(١) في ب : ساعة.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٠.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١١.