فصل في معاني كلمة «أمة»
قد جاءت الأمة على خمسة أوجه :
الأوّل : «الأمّة» الملّة ، كهذه الآية ، أي : ملّة واحدة ، ومثله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المؤمنون : ٥٢] أي : ملتكم.
الثاني : الأمّة الجماعة ؛ قال تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) [الأعراف : ١٨١] أي : جماعة.
الثالث : الأمّة السنين ؛ قال تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) [هود : ٨] ، أي : إلى سنين معدودة ، ومثله (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي : بعد سنين.
الرابع : بمعنى إمام يعلّم الخير ؛ قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) [النحل : ١٢٠].
الخامس : الأمّة : إحدى الأمم ؛ قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١١٠] ، وباقي الكلام على ذلك يأتي في آخر «النحل» عند قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠].
فصل في المراد بالأمة ، وهل كانوا على الحق؟ ومتى اختلفوا؟
واختلف المفسّرون على خمسة أقوال :
القول الأول : أنهم كانوا على الحقّ ، وهو قول أكثر المحققين ؛ قال القفّال (١) : لأنّه تعالى قال بعده : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) ف «الفاء» في قوله : «فبعث الله» تقتضي أن يكون بعثهم بعد الاختلاف ، فلو كانوا قبل ذلك أمة واحدة في الكفر لكانت بعثة الرسل قبل الاختلاف أولى ؛ لأنّهم لما بعثوا ، وبعض الأمّة محقّ وبعضهم مبطل فلأن يبعثوا عند كون الجميع على الكفر أولى.
وأيضا فإن آدم ـ عليهالسلام ـ لما بعث إلى أولاده ، كانوا مسلمين مطيعين ، ولم يحدث بينهم اختلاف في الدّين ، إلى أن قتل قابيل هابيل ؛ بسبب الحسد والبغي ، وهذا ثابت بالتواتر ، فإنّ الناس ـ وهم : آدم وحوّاء ، وأولادهما ـ كانوا أمّة واحدة على الحق ، ثم اختلفوا ؛ بسبب البغي ، والحسد ، كما حكى الله تعالى عن ابني آدم بالحق (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) [المائدة : ٢٧] وأيضا قوله ـ عليهالسلام ـ : «كلّ مولود يولد على الفطرة ؛ فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه» فدلّ ذلك على أنّ
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١١.