هذه القراءة عنه ، وقال : إنّ الناس رووا عن الجحدري : «ليحكم» على بناء الفعل للمفعول وفي «النّور» موضعين هنا ، وفي «آل عمران» ولا ينبغي أن يغلّطه ؛ لاحتمال أن يكون عنه قراءتان.
والثاني : أنه يعود على «الكتاب» أي : ليحكم الكتاب ، ونسبة الحكم إليه مجاز ؛ كنسبة النّطق إليه في قوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩].
وقوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٩].
ونسبة القضاء إليه في قوله : [الكامل]
١٠٣٧ ـ ضربت عليك العنكبوت بنسجها |
|
وقضى عليك به الكتاب المنزل (١) |
ووجه المجاز : أنّ الحكم فيه ؛ فنسب إليه. وقيل : إنه يعود على النّبيّ ، واستضعفه أبو حيّان من حيث إفراد الضمير ، إذ كان ينبغي على هذا أن يجمع ؛ ليطابق «النّبيّين». ثمّ قال : وما قاله جائز على أن يعود الضمير على إفراد الجمع ، على معنى : ليحكم كلّ نبيّ بكتابه.
و «بين» متعلّق ب «يحكم». والظّرفية هنا مجاز. وكذلك «فيما اختلفوا» متعلق به أيضا. و «ما» موصولة ، والمراد بها الدّين ، أي : ليحكم الله بين الناس في الدّين ، بعد أن كانوا متفقين عيه. ويضعف أن يراد ب «ما» النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ لأنها لغير العقلاء غالبا. و «فيه» متعلّق ب «اختلفوا» ، والضمير عائد على «ما» الموصولة.
قوله : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) الضمير في «فيه» فيه أوجه.
أظهرها : أنه عائد على «ما» الموصولة أيضا ، وكذلك الضمير في «أوتوه» وقيل : يعودان على الكتاب ، أي : وما اختلف في الكتاب إلّا الّذين أوتوا الكتاب. وقيل : يعودان على النبيّ ، قال الزّجّاج (٢) : أي : وما اختلف في النبيّ إلّا الذين أوتوا علم نبوّته. وقيل : يعود على عيسى ؛ للدلالة عليه.
وقيل : الهاء في «فيه» تعود على «الحقّ» وفي «أوتوه» تعود على «الكتاب» أي : وما اختلف في الحقّ إلّا الذين أوتوا الكتاب.
فصل
والمراد باختلافهم يحتمل معنيين :
أحدهما : تكفير بعضهم بعضا ؛ كقول اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) [البقرة : ١١٣] أو قولهم (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] والآخر : تحريفهم وتبديلهم ، وهذا يدلّ على أنّ الاختلاف في الحقّ لم يوجد إلّا بعد بعثة الأنبياء ،
__________________
(١) تقدم برقم ٥٤١.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٢٧٦.