لما اختلفوا فيه من الحقّ ـ فاهتدوا ـ بإذنه» وإذا كان كذلك ، كانت الهداية مغايرة للإهتداء.
فصل
احتج الفقهاء بهذه الآية على أنّ الله ـ تعالى ـ قد يخصّ المؤمن بهدايات لا يفعلها في حقّ الكافر.
وأجاب عنه المعتزلة بوجوه :
أحدها : أنهم اختصّوا بالاهتداء ، فهو كقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ثم قال (هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥].
وثانيها : أن المراد الهداية إلى الثواب وطريق الجنّة.
وثالثها : هداهم إلى الحقّ بالألطاف.
قوله : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) والكلام فيها مع المعتزلة كالتي في قبلها.
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)(٢١٤)
«أم» هذه فيها أربعة أقوال :
الأول : أن تكون منقطعة فتتقدّر ب «بل» والهمزة. ف «بل» لإضراب انتقال من إخبار إلى إخبار ، والهمزة للتقرير. والتقدير بل حسبتم.
والثاني : أنها لمجرد الإضراب من غير تقدير همزة بعدها ، وهو قول الزّجّاج وأنشد : [الطويل]
١٠٣٨ ـ بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى |
|
وصورتها أم أنت في العين أملح (١) |
أي : بل أنت.
والثالث : وهو قول الفرّاء وبعض الكوفيّين ، أنها بمعنى الهمزة. فعلى هذا يبتدأ بها في أوّل الكلام ، ولا تحتاج إلى الجملة قبلها يضرب عنها.
الرابع : أنها متّصلة ، ولا يستقيم ذلك إلا بتقدير جملة محذوفة قبلها.
قال القفّال : «أم» هنا استفهام متوسط ؛ كما أنّ «هل» استفهام سابق ، فيجوز أن
__________________
(١) تقدم برقم ٢٢٧.