(وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(١) [الأحزاب : ١٠] وقيل : نزلت في «غزوة أحد» لما قال عبد الله بن أبيّ لأصحاب النبي عليهالسلام إلى متى تقتلون أنفسكم ، وترجون الباطل ، ولو كان محمد نبيا ، لمّا سلّط الله عليكم الأسر والقتل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢)(أَمْ حَسِبْتُمْ) ، أي : المؤمنون أن تدخلوا الجنّة بمجرد الإيمان بي ، وتصديق رسولي ، دون أن تعبدوا الله بكل ما تعبّدكم به ، وابتلاكم بالصبر عليه ، وأن ينالكم من أذى الكفار ، ومن احتمال الفقر ومكابدة الضر والبؤس ، ومقاساة الأهوال في مجاهدة العدوّ ؛ كما كان ذلك فيما كان من قبلكم من المؤمنين ، والمثل هو المثل ، وهو الشّبه ، إلّا أنّ المثل لحالة غريبة ، أو قصّة عجيبة لها شأن ؛ ومنه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) [النحل : ٦٠] أي : الصفة التي لها شأن عظيم.
قوله : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أن تكون لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنها تفسيرية ، أي : فسّرت المثل وشرحته ، كأنه قيل : ما كان مثلهم؟ فقيل : مسّتهم البأساء.
والثاني : أن تكون حالا على إضمار «قد» جوّز ذلك أبو البقاء (٣) ، وهي حال من فاعل «خلوا». وفي جعلها حالا بعد.
و «البأساء» : اسم من البؤس بمعنى الشّدّة ، وهو البلاء والفقر.
و «الضّرّاء» : الأمراض ، والآلام ، وضروب الخوف.
قال أبو العبّاس المقريّ : ورد لفظ «الضّرّ» في القرآن على أربعة أوجه :
الأول : الضّرّ : الفقر ؛ كهذه الآية ، ومثله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ) [يونس : ١٢] ، وقوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) [النحل : ٥٣] أي : الفقر.
الثاني : الضّرّ : القحط ؛ قال تعالى : (أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [الأعراف : ٩٤] ، أي : قحطوا.
أو قوله تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) [يونس : ٢١] أي : قحط.
الثالث : الضّرّ : المرض ؛ قال تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) [يونس : ٢٠٧] أي : بمرض.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٨٩) عن قتادة والسدي وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧) عن قتادة وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر.
وأورده عن السدي (١ / ٤٣٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٢) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٦ / ١٧).
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٩١.