فإن قيل : قوله : (إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) يوجب في حق كل من لحقه شدّة أن يعلم أنه سيظفر بزوالها ، وذلك غير ثابت.
فالجواب : لا يمتنع أن يكون هذا من خواصّ الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وأيضا فإن كان عامّا في حق الكل إذ كلّ من كان في بلاء ، فلا بدّ له من أحد أمرين :
إمّا أن يتخلص منه أو يموت ، فإن مات ، فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ، ولا يضيع حقه ، وذلك من أعظم النصر ، وإنما جعله قريبا ؛ لأن الموت آت ؛ وكلّ آت قريب.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٢١٥)
قد تقدّم أنّ «ماذا» له استعمالات ستّة عند قوله : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) [البقرة : ٢٦]. وهنا يجوز أن تكون «ماذا» بمنزلة اسم واحد ، بمعنى الاستفهام ؛ فتكون مفعولا مقدّما ل «ينفقون» ؛ لأنّ العرب يقولون : «عماذا تسأل» بإثبات الألف ، وحذفوها من قولهم : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] وقوله (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) [النازعات : ٤٣] فلما لم يحذفوا الألف من آخر «ما» ، علمت أنه مع «ذا» بمنزلة اسم واحد ، ولم يحذفوا الألف منه ، لمّا لم يكن آخر الاسم ، والحذف يلحقها إذا كان آخرا ، إلّا أن يكون في شعر ؛ كقوله : [الوافر]
١٠٤٥ ـ على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرّغ في رماد (١) |
قال القرطبي (٢) : إن خفّفت الهمزة ، قلت : يسلونك ، ومنه : ما «ينفقون» ويجوز أن تكون «ما» مبتدأ و «ذا» خبره ، وهو موصول. و «ينفقون» صلته ، والعائد محذوف ، و «ماذا» معلّق للسؤال ، فهو في موضع المفعول الثاني ، وقد تقدّم تحقيقه في قوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ) [البقرة : ٢١١].
قال القرطبي (٣) : متى كانت اسما مركبا ، فهي في موضع نصب إلّا ما جاء في قول الشاعر: [الطويل]
١٠٤٦ ـ وماذا عسى الواشون أن يتحدّثوا |
|
سوى أن يقولوا : إنّني لك عاشق (٤) |
__________________
(١) تقدم برقم ٦٦٥.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٦.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٦.
(٤) البيت لجميل بثينة ينظر ملحق ديوانه ص ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٥٠ ، ١٥٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٨٣ ، ولسان العرب (ومق) ، وللمجنون ينظر ديوانه ص ١٦٠ ، والأغاني ٢ / ٥٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٧٥.