فصل
اعلم أنّه تعالى رتّب الإنفاق (١) ، فقدّم الوالدين (٢) ، لأنّهما كالمخرج للمكلّف من
__________________
(١) قال الجوهري في الصحاح : «نفق البيع نفاقا ، بالفتح ، أي : راج ، والنّفاق بالكسر ، فعل المنافق ، والنّفاق أيضا ، جمع النفقة من الدراهم» ـ ثم قال : «وقد أنفقت الدراهم من النفقة ا ه».
وقال المجد في القاموس : «النّفقة : ما تنفقه من الدراهم ونحوها» ثم قال : «وأنفق : افتقر ، وماله : أفقده ، كاستنفقه. ا ه».
وقال ابن منظور في لسان العرب : «أنفق المال : صرفه» ، وفي التنزيل : «وإذا قيل لهم : أنفقوا مما رزقكم الله» ، أي ؛ أنفقوا في سبيل الله ، وأطعموا ، وتصدقوا ، واستنفقه : أذهبه ، والنّفقة. ما أنفق ، والجمع ، نفاق» ـ ثم قال : «وقد أنفقت الدراهم ، من النّفقة. والنّفقة : ما أنفقت ، واستنفقت على العيال ، وعلى نفسك. ا ه».
واقتضت حكمة الله ـ تعالى ـ في بني آدم ، أن يكون الرجل هو القائم بأمر المرأة ، والقائد لزمامها ؛ وذلك لما منحه الله ـ تعالى ـ من القوة ، وكمال العقل ، والقدرة على تحمل المصاعب ، وتجشم الآلام الناشئة عن متاعب الحصول على العيش ، وحفظ كيان الأسرة ، حتى تظل قائمة في هذا الكون ، مؤدية وظيفتها في عمارته ، ويشهد لذلك قول الله ـ تعالى ـ : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ،) وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
وهذا يدلّ على أن المرأة يجب أن تكون رهن إشارة زوجها ، وطوع أمره ، فلا تعصي له أمرا ، ولا تمنعه حقا وجب له عليها ، وقد أمر ـ جلّ شأنه ـ المرأة بالقرار في بيت زوجها ، ومنعها الخروج منه ؛ حرصا على المحافظة على حقوق الرجل ؛ ومنعا لما قد يفسد نظام العائلة ، ويجرها إلى الخسارة.
وإن المرأة أمام هذا الأوامر الإلهية ، التي يجب عليها أن تمتثلها ، وتنقاد إليها. تكون من غير شكّ عاجزة عن تحصيل قوتها ، وتدبير عيشها ... وحينئذ فمن ذا الذي يقدّم لها من القوت ، ما يدفع عنها ألم الجوع ، ويحفظ حياتها ، ومن الثياب ما تتقي به قيظ الحر ، وزمهرير البرد ، ومن المسكن ما تأمن فيه على نفسها ومتاعها ... فلو لم يوجب الله ـ جل شأنه ـ ذلك على الرجل لزوجته ، مع ما تقدّم من أمرها بملازمة بيته ـ لأدّى إلى هلاكها.
هذا في المرأة التي في عصمة الزوج ، وأما المطلّقة ، فإن كانت رجعيّة ، فهي في حكم الزوجة ؛ لأن له مراجعتها متى شاء ، فليست مالكة لأمرها ، ولا متمكّنة من التكسب ، أو التزوج بغيره ، ما دامت في العدة ، وإن كانت بائنا ، ففيها تختلف الأنظار.
فمن نظر إلى أنها محتبسة عن الزواج في العدة ؛ لعلاقة الزوجية السابقة ، أوجب لها النفقة والسكنى ، حاملا كانت أو حائلا. ومن نظر إلى أن هذا الاحتباس ، إنما هو حق لله ـ تعالى ـ ، لم يوجب شيئا منهما ، حاملا كانت أو حائلا.
ومن نظر إلى أن الحامل مشغولة الرحم بماء الزوج ، والحائل محتبسة لصيانة مائه ، أوجب للأولى السكنى والنفقة ؛ لأنّ اشتغال الرّحم بمائه ، ليس أقل شأنا من اشتغاله باستمتاعه السابق ، وأوجب للبائن السكنى ؛ لأن بها تتم صيانة الماء المذكور وحفظه ، ولم يوجب لها النفقة ؛ لأن احتباسها ليس لحقه ، وإنما هو لحق الله ـ تعالى ـ.
واصطلاحا :
عند الشافعية : قال الشرقاني في حاشيته على «شرح التحرير» : النفقة : طعام مقدّر لزوجة وخادمها على زوج ، ولغيرهما من أصل وفرع ، ورقيق ، وحيوان ما يكفيه. ـ