فإن قيل : إنّه تعالى ذكر «الوالدين» ثمّ عطف عليه «الأقربين» والعاطف يقتضي المغايرة ، وذلك يدلّ على أن الوالدين لا يدخلون في مسمّى الأقربين ، فهو خلاف الإجماع ؛ لأنّه لو وقف على «الأقربين» حمل فيه الوالدين بغير خلاف.
فالجواب : أنّ هذا من عطف العامّ على الخاصّ ؛ كقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر : ٨٧] فعطف القرآن على السبع المثاني ، وهي من القرآن ، وقال ـ عليهالسلام ـ «أفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي ...» (١) فعطف «النّبيّين» على قوله : «أنا» وهو من النبيين ، وذلك شائع في لسان العرب ، ثمّ ذكر بعدهم اليتامى ؛ لأنهم لصغرهم لا يقدرون على الاكتساب ، وليس لهم أحد يكتسب لهم ، فالطفل اليتيم : قد عدم الكسب ، والمكاسب ، وأشرف على الضياع ، ثم ذكر بعدهم المساكين ؛ لأنّ حاجتهم أقلّ من حاجة اليتامى ؛ لأنّ قدرتهم على التحصيل أكثر من قدرة اليتامى ، ثم ذكر ابن السبيل بعدهم ؛ لأنه بسبب انقطاعه عن بلده ، قد يحتاج ، ويفتقر ، فهذا أصحّ تركيب ، وأحسن ترتيب في كيفيّة الإنفاق ، ثم لمّا فصّل هذا التّفصيل الحسن الكامل ، أردفه بالاجمال ، فقال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) والعليم مبالغة في كونه عالما لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ، ولا في السّماء.
و «ما» هذه شرطية فقط ؛ لظهور عملها الجزم بخلاف الأولى. وقرأ (٢) عليّ رضي الله عنه : «وما يفعلوا» بالياء على الغيبة ، فيحتمل أن يكون من باب الالتفات من الخطاب ، وأن يكون من الإضمار لدلالة السياق عليه ، أي : وما يفعل الناس.
فصل في المراد بالخير
قال أكثر العلماء : المراد ب «الخير» هو المال ؛ لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات : ٨] ، وقال : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) [البقرة : ١٨].
وقيل : المراد بالخير هذا الإنفاق ، وسائر وجوه البرّ ، والطاعة.
فصل هل الآية منسوخة أم لا؟
قال بعضهم : هذه الآية منسوخة بآية المواريث.
وقال أهل التفسير : إنها منسوخة بالزكاة.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٣٤) كتاب الدعوات باب في دعاء يوم عرفة حديث (٣٥٨٥) من طريق حماد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به.
قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الأنصاري المديني وليس بالقوي عند أهل الحديث.
(٢) انظر الشواذ ٢٠ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٨٩ ، والبحر المحيط ٢ / ١٥١ ، والدر المصون ١ / ٥٢٥.