قال بعضهم : وكلاهما ضعيف ؛ لأنّه يمكن حمل الآية على وجوه لا يتطرق النّسخ إليها :
أحدها : قال أبو مسلم (١) الأصفهاني : الإنفاق على الوالدين ، واجب عند قصورهما عن الكسب والملك ، والمراد ب «الأقربين» الولد ، وولد الولد ، وقد تلزم نفقتهم عند فقد الملك ، وعلى هذا فلا وجه للقول بالنّسخ ؛ لأنّ هذه النفقة تلزم في حال الحياة ، والميراث يصل بعد الموت ، وما وصل بعد الموت لا يوصف بأنه نفقة.
وثانيها : أن يكون المراد من أحبّ التقرب إلى الله تعالى بالنفقة ، فالأولى أن ينفقه في هذه الجهات ، فيكون المراد التطوع.
ثالثها : أن يكون المراد الوجوب فيما يتصل بالوالدين والأقربين من حيث الكفاية ، وفيما يتصل باليتامى والمساكين مما يكون زكاة.
ورابعها : يحتمل أن يريد بالإنفاق على الوالدين والأقربين ما يكون بعثا على صلة الرّحم ، وفيما يصرفه لليتامى والمساكين ما يخلص للصدقة ، فظاهر الآية محتمل لكل هذه الوجوه من غير نسخ.
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦)
قرىء (٢) : «كتب عليكم القتال» : ببناء «كتب» للفاعل ؛ وهو ضمير الله تعالى ، ونصب «القتال».
قال القرطبي : وقرأ قوم : «كتب عليكم القتل» ؛ قال الشاعر : [الخفيف]
١٠٤٨ أ ـ كتب القتل والقتال علينا |
|
وعلى الغانيات جرّ الذّيول (٣) |
قوله تعالى : (وَهُوَ كُرْهٌ) هذه واو الحال ، والجملة بعدها في محلّ نصب عليها ، والظاهر أنّ «هو» عائد على القتال. وقيل : يعود على [المصدر] المفهوم من كتب ، أي : وكتبه وفرضه. وقرأ الجمهور «كره» بضمّ الكاف ، وهو الكراهة بدليل قوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) ثم فيه وجهان :
أحدهما : أنّ وضع المصدر موضع الوصف سائغ كقول الخنساء : [البسيط]
١٠٤٨ ب ـ .......... |
|
فإنّما هي إقبال وادبار (٤) |
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٢٢.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ١٥٢ ، والدر المصون ١ / ٥٢٥.
(٣) ينظر : القرطبي ٣ / ٢٧.
(٤) عجز بيت وصدره :
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت