والزمخشريّ هناك ، هو رأي ابن جنّي ، وسائر النحاة يخالفونه.
فصل في بيان الخيرية في الغزو
قوله : (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأنّ في الغزو إحدى الحسنيين : إمّا الظفر والغنيمة ، وإمّا الشهادة والجنة «وعسى أن تحبّوا شيئا» يعني القعود عن الغزو ، وهو شرّ لكم ؛ لما فيه من فوات الغنيمة ، والأجر ، ومخالفة أمر الله تعالى.
قال القرطبي (١) : قيل «عسى» بمعنى «قد» وقال الأصمّ (٢) : و «عسى» من الله واجبة في جميع القرآن إلّا قوله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً) [التحريم : ٥].
وقال أبو عبيدة (٣) : عسى من الله إيجاب ، والمعنى : عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقّة ؛ وهو خير لكم ، من أنّكم تغلبون ، وتظفرون وتغنمون ، وتؤجرون ، ومن مات ، مات شهيدا. و «الشّرّ» هو السّوء أصله : من شررت الشيء إذا بسطته يقال : شررت اللحم ، والثوب : إذا بسطته ، ليجف ؛ ومنه قوله : [الوافر]
١٠٥٣ ـ وحتّى أشرّت بالأكفّ المصاحف
والشّرر : هو اللهب لانبساطه. فعلى هذا «الشرّ» انبساط الاشياء الضارة ، وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فالمقصود الترغيب العظيم في الجهاد ، وكأنه تعالى قال يا أيها العبد ، اعلم أنّ علمي أكمل من علمك ، فكن مشتغلا بطاعتي ، ولا تلتفت إلى مقتضى طبعك ، فهي كقوله في جواب الملائكة : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠].
تمّ الجزء الثّالث ، ويليه الجزء الرّابع
وأوّله : «قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ ...)»
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٨.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.