وقيل : ولكل أهل موضع من المسلمين وجهته إلى جهة الكعبة يمينا وشمالا ووراء وقدّام [فهي كجهة واحدة ، ولا يخفى على الله نيّاتهم ؛ فهو يحشرهم جميعا ويثيبهم على أعمالهم](١). وفي «وجهة» قولان :
أحدهما : ويعزى للمبرد ، والفارسي ، والمازني في أحد قوليه : أنها اسم المكان المتوجه إليه ، وعلى هذا يكون إثبات «الواو» قياسا إذ هي غير مصدر.
قال سيبويه ولو بنيت «فعلة» من الوعد لقلت : وعدة ، ولو بنيت مصدرا لقلت : عدة.
والثاني : أنه مصدر ، ويعزى للمازني ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، فإنه قال بعد ذكر حذف «الواو» من المصادر : «وقد أثبتوا فقالوا : وجهة في الجهة» وعلى هذا يكون إثبات «الواو» شاذّا منبهة على ذلك الأصل المتروك في «عدة» ونحوها ، والظاهر أن الذي سوغ إثبات «الواو» وإن كانت مصدرا أنها مصدر جاءت على حذف الزوائد ؛ إذ الفعل المسموع من هذه المادة توجّه واتّجه ، ومصدرهما التوجه والاتجاه ، ولم يسمع في فعله : «وجه يجه» ك «وعد يعد» ، وكان الموجب لحذف «الواو» من عدة وزنة الحمل على المضارع لوقوع الواو بين ياء وكسرة ، وهنا لم يسمع فيه مضارع يحمل مصدره عليه ، فلذلك قلت : إن «وجهة» مصدر على حذف الزوائد ل «توجه» أو «اتجه» ، وقد ألم أبو البقاء بشيء من هذا.
قال القرطبي : الوجهة وزنها فعلة من المواجهة.
والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد ، والمراد القبلة ، أي : أنهم لا يتبعون قبلتك ، وأنت لا تتبع قبلتهم ، ولكل وجهة : إما بحق ، وإما بهوى.
فصل في لفظ الوجه
قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ الوجه في القرآن الكريم على أربعة أضرب :
الأول : بمعنى الملّة ، قال تبارك وتعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) أي : ملّة.
الثاني : بمعنى الإخلاص في العمل ، قال تعالى : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) [الأنعام : ٧٩] أي : أخلصت عملي ، ومثله : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [النساء : ١٢٢] أي : أخلص عمله لله.
الثالث : بمعنى الرّضا ، قال تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام : ٥٢] أي : رضاه ، ومثله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) [الكهف : ٢٨] الآية الكريمة ، ومثله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) [الروم : ٢٩] أي : رضاه.
__________________
(١) سقط في ب.