فصل في المسابقة إلى الصلاة
من قال : إنّ الصلاة في أول الوقت أفضل استدل (١) بقوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ؛ قال : لأن الصلاة خير لقوله عليه الصلاة والسلام «خير أعمالكم الصّلاة» (٢) وظاهر الأمر بالسبق للوجوب ، فإذا لم يتحقق فلا أقل من الندب.
وأيضا قوله تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الحديد : ٢١] ومعناه : إلى ما يوجب المغفرة ، والصلاة مما يوجب المغفرة ، فوجب أن تكون المسابقة إليها مندوبة.
وأيضا قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة : ١٠ ـ ١١].
والمراد منه : السابقون في الطاعات ، والصلاة من الطاعات ، وأيضا أنه مدح الأنبياء المقدمين بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) [الأنبياء : ٩٠] ، والصلاة من الخيرات ، كما بيّنا.
وأيضا أنه تعالى ذم إبليس في ترك المسارعة فقال : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف : ١٢].
وأيضا قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) [البقرة : ٢٣٨] والمحافظة لا تحصل إلا بالتّعجيل ، ليأمن الفوت بالنسيان.
وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤] فثبت أن الاستعجال أولى.
وأيضا قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً) [الحديد : ١٠] فبين أن المسابقة سبب لمزيد الفضيلة ، وأيضا ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الصّلاة في أوّل الوقت رضوان الله وفي آخره عفو الله» (٣).
قال الصديق رضي الله عنه : رضوان الله أحب إلينا من عفوه.
قال الشافعي رضي الله عنه : رضوان الله إنما يكون للمحسنين ، والعفو يوشك أن يكون عن المقصرين.
فإن قيل : هذا احتجاج يقتضي أن يأثم بالتأخير ، وأجمعنا على أنه لا يأثم ، فلم يبق
__________________
(١) في أ : استدلوا.
(٢) أخرجه ابن ماجه (١ / ١٠٢) رقم (٢٧٩) وأحمد (٥ / ٢٨٠) وابن عبد البر في «الاستذكار» (١ / ٢٦٢) والدارمي (١ / ١٦٨) والبيهقي (١ / ٨٢ ، ٤٥٧) والحاكم (١ / ٣٠) والطبراني في «الكبير» (٢ / ٩٨) ، (٧ / ٢٨) وفي «الأوسط» (١ / ١١) ، (٢ / ٨٨) والطيالسي (٤٦ ـ منحة) والخطيب (١ / ٢٩٣).
وذكره الهندي في «كنز العمال» (٥٤٧٤) والمنذري في «الترغيب والترهيب» (١ / ١٦٢) وانظر الدر المنثور (١ / ٢٩٦).
(٣) أخرجه الدارقطني (١ / ٢٤٦) وانظر تلخيص الحبير (١ / ١٨٠).