وأيضا تعجيل حقوق الآدميين أفضل من تأخيرها ، فوجب أن يكون [الحال في أداء] حقوق الله ـ تعالى ـ كذلك لرعاية التعظيم.
وأيضا المبادرة والمسارعة إلى الصلاة إظهار للحرص على الطاعة ، والولوع بها ، والرغبة فيها وفي التأخير كسل عنها ، فيكون الأول أولى.
[وأيضا فإن المبادرة احتياط ، لأنه إذا أدّاها في أوّل الوقت تفرغت ذمته ، وإذا أخّرها ربما حصل له شغل ، فمنعه من أدائها ، فالوجه الذي يحصل به الاحتياط أولى.
فإن قيل : تنتقض هذه الدلائل بالظّهر في شدة الحر ، وبما إذا حصل له إدراك الجماعة ، أو وجود الماء.
قلنا : التأخير في هذه المواضع لأمور عارضة ، والكلام إنما هو في مقتضى الأصل](١).
فصل في التغليس في صلاة الفجر
قال الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ التّغليس في صلاة الفجر أفضل ، وهو مذهب أبي بكر وعمر ، وقول مالك وأحمد رضي الله عنهم.
وقال أبو محمد : يستحب أن يدخل فيها بالتّغليس.
واحتج الأولون بما تقدم من الآية ، وبما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم يصلي الصبح ، فينصرف والنساء متلفّعات بمروطهنّ ما يعرفهنّ أحد من الغلس.
فإن قيل : كان هذا في ابتداء الإسلام حين كان النساء يحضرن الجماعات ، فكان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي بالغلس كيلا يعرفن.
وهكذا كان عمر رضي الله عنه يصلي بالغلس ، ثم لما نهين عن الحضور في الجماعات ترك ذلك.
قلنا : الأصل عدم النسخ ، وإن سلم النسخ فالمنسوخ إنما هو حضور النساء لا الصلاة.
وروى أنس عن زيد بن ثابت قال : تسحّرنا مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم ـ ثم قمنا إلى الصلاة ، قال أنس : قلت لزيدكم كان قدر ذلك؟ قال : قدر خمسين آية (٢) ، وهذا يدلّ أيضا على التّغليس ، وروي عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غلّس بالصبح ، ثم أسفر مرة ، ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله تعالى.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه البخاري (٣ / ٦٧) كتاب الصوم باب : قدر كم بين السحور (١٩٢١) عن زيد بن ثابت.