قوله : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥].
وهذا عند جمهور البصريين ممتنع ؛ لأنه يؤدي إلى بدل ظاهر من ضمير حاضر بدل كلّ من كل ، ولم يجزه من البصريين إلا الأخفش ، وتأول غيره ما ورد من ذلك.
وأما قراءة ابن عباس ب «ألا» للاستفتاح ، ففي محل «الذين» حينئذ ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه مبتدأ ، وخبره قوله : (فَلا تَخْشَوْهُمْ) ، وإنما دخلت «الفاء» في الخبر ؛ لأن الموصول تضمن معنى الشرط ، والماضي الواقع صلة مستقبل معنى كأنه قيل : من يظلم الناس فلا تخشوهم ، ولو لا دخول الفاء لترجّح النصب على الاشتغال ، أي : لا تخشوا الذين ظلموا لا تخشوهم.
الثاني : أن يكون منصوبا بإضمار فعل على الاشتغال ، وذلك على قول الأخفش ، فإنه يجيز زيادة الفاء.
الثالث : نقله ابن عطية أن يكون منصوبا على الإغراء.
ونقل عن ابن مجاهد أنه قرأ (١) : «إلى الّذين ظلموا» وجعل «إلى» حرف جر متأولا لذلك بأنها بمعنى «مع» ، والتقدير : لئلا يكون للناس عليكم حجة مع الذين ، والظاهر أن هذا الراوي وقع في سمعه «إلا الذين» بتخفيف «إلا» فاعتقد ذلك فيها ، وله نظائر مذكورة عندهم.
و «فهم» في محل نصب على الحال فيتعلّق بمحذوف ، ويحتمل أن تكون «من» للتبعيض ، وأن تكون للبيان.
فصل في الكلام على هذه الحجة
اعلم أن هذا الكلام يوهم حجاجا وكلاما تقدم من قبل في باب القبلة عن القوم فأراد الله تعالى أن يبين أن تلك الحجّة تزول الآن باستقبال الكعبة.
وفي كيفية تلك الحجة روايات :
إحداها : أن اليهود قالوا : تخالفنا في ديننا وتتبع قبلتنا.
وثانيها : قالوا : ألم يدر محمد أين يتوجه في صلاته حتى هديناه؟
وثالثها : أن العرب قالوا : إنه كان يقول : أنا على دين إبراهيم ، والآن ترك التوجه إلى الكعبة ، ومن ترك التوجّه إلى الكعبة ، فقد ترك دين إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فصارت هذه الوجوه وسائل لهم إلى الطعن في شرعه عليه الصلاة والسلام ، إلّا أن الله ـ تعالى ـ لما علم أن الصلاح في ذلك أوجب عليهم التوجه إلى بيت المقدس لما فيه من
__________________
(١) ينظر تخريج القراءة السابقة.