شكرتك ، فالمعنى شكرت لك صنيعك وذكرته ، فحذف المضاف ؛ إذ معنى الشكر ذكر اليد ، وذكر مسديها معا ، فما حذف من ذلك ، فهو اختصار لدلالة ما بقي على ما حذف.
وأصل الشكر في اللغة : الظهور ، فشكر العبد لله ـ تعالى ـ ثناؤه عليه بذكر إحسانه ، وشكر الله سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له ، إلا أن شكر العبد نطق باللسان ، وإقرار بالقلب بإنعام الرب.
وقوله تعالى : (وَلا تَكْفُرُونِ) نهي ولذلك حذفت منه نون الجماعة ، وهذه نون المتكلم ، وحذفت الياء ؛ لأنها رأس آية وإثباتها أحسن في غير القرآن ، أي : لا تكفروا نعمتي ، فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(١٥٣)
أعلم أنه ـ تعالى ـ لما أوجب بقوله : «فاذكروني» جميع العبادات ، وبقوله : (وَاشْكُرُوا لِي) ما يتصل بالشكر أردفه ببيان ما يعين عليهما ، فقال : (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وإنما خصّهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات.
أما الصبر فهو قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله ـ تعالى ـ وتوطينها على تحمّل المشاقّ ، ومن كان كذلك سهل عليه فعل الطاعات ، وتحمل مشاق العبادات ، وتجنّب المحظورات.
وأما الصلاة فلقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥].
ومن الناس من حمل الصبر على الصوم.
ومنهم من حمله على الجهاد ، لقوله تعالى بعده : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) ولأنه ـ تعالى ـ أمره بالتثبت في الجهاد ، فقال تعالى : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) [الأنفال : ٤٥] وبالتثبّت في الصلاة وفي الدعاء ، فقال تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٤٧].
فصل في أقسام الصبر وذكر الاستعانة
والقول الأول أولى لعموم اللفظ وعدم تقيّده الاستعانة ، ذكر الاستعانة بالصلاة ولم يذكر فيماذا يستعان.
فظاهره يدل على أن الاستعانة في كل الأمور ، وذكر الصبر ، وهو ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : الصبر على الطاعات.