[الأنعام : ١٢٢] فقال : ولا تقولوا للشهداء ما قاله المشركون ، ولكن قولوا : هم أحياء في الدين ، ولكن لا يشعرون [يعني المشركين لا يعلمون من قتل على دين محمد صلوات الله وسلامه عليه حيّ في الدين](١) وقال الكعبي وأبو مسلم الأصفهاني : إن المشركين كانوا يقولون : إن أصحاب محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقتلون أنفسهم ، ويخسرون حياتهم ، فيخرجون من الدنيا بلا فائدة ، ويضيعون أعمارهم إلى غير شيء. وهؤلاء الذين قالوا ذلك ، يحتمل أنهم كانوا دهرية ينكرون المعاد ، ويحتمل أنهم كانوا مؤمنين بالمعاد إلا أنهم كانوا منكرين لنبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلذلك قالوا هذا الكلام ، فقال الله تعالى : ولا تقولوا كما قال المشركون : إنهم أموات لا ينشرون ولا ينتفعون بما تحملوا من الشدائد في الدّنيا ، ولكن اعلموا أنهم أحياء ، أي : سيحيون فيثابون وينعمون في الجنة ، وتفسير قوله : «أحياء» بأنهم سيحيون غير بعيد ، قال الله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار : ١٣ ـ ١٤] ، وقال : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩].
وقال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥] وقال (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الحج : ٥٦].
والقول الأول هو المشهور ويدل عليه وجوه :
أحدها : الآيات الدالة على عذاب القبر كقوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) [غافر : ١١] ، [والموتتان لا تحصلان إلا عند حصول الحياة في القبر](٢) وقال الله تعالى : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥] و «الفاء» للتعقيب.
وقال : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضا ؛ لأن العذاب حقّ الله ـ تعالى ـ على العبد ، والثواب حق للعبد على الله تعالى.
وثانيها : أن المعنى لو كان على ما قيل في القول الثاني والثالث لم يكن لقوله : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) معنى ؛ لأن الخطاب للمؤمنين ، وقد [كانوا يعلمون أنهم ماتوا على هدى وكون أنهم](٣) كانوا لا يعلمون ؛ أي أنهم سيحيون يوم القيامة.
وثالثها : أن قوله تعالى : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) [آل عمران : ١٧٠] دليل على حصول الحياة في البرزخ قبل البعث.
ورابعها : قوله عليه الصلاة والسلام أعوذ بك من عذاب القبر وقوله : القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران (٤).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «مجمع الزوائد» للهيثمي ، وقال : وفيه محمد بن أيوب بن سويد وهو ضعيف. ـ