فصل في الكلام على الآية
قال بعضهم : (إِنَّا لِلَّهِ) إقرار منّا له بالملك ، (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) إقرار على أنفسنا بالهلاك ، لا بمعنى الانتقال إلى مكان أو جهة فإن ذلك على الله محال ، بل المراد أنه يصير إلى حيث لا يملك الحكم سواه ، وذلك هو الدّار الآخرة ؛ لأنّ عند ذلك لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرّا ، وما داموا في الدنيا ، قد يملك غير الله نفعهم وضرهم بحسب الظاهر ، فجعل الله ـ تعالى ـ هذا رجوعا إليه تعالى ، كما يقال : إن الملك والدولة ترجع إليه لا بمعنى الانتقال بل بمعنى القدرة ، وترك المنازعة.
وقال بعضهم : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) في الآخرة.
[روي عن النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل الله له خلفا صالحا يرضاه» (١).
وروي أنه طفىء سراج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). فقال: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، فقيل : مصيبة هي؟ قال : «نعم ، كلّ شيء يؤذي المؤمن فهو مصيبة» (٢).
وقالت أمّ سلمة : حدثني أبو سلمة ، أنه عليه الصلاة والسلام قال : «ما من مسلم يصاب مصيبة فيفزع إلى ما أمره الله به من قوله : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللهمّ أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيرا منها» قالت : فلما توفي أبو سلمة ذكرت هذا الحديث ، وقلت هذا القول ، فأخلف الله لي محمدا صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وشرف ، وكرم ، ومجد وبجل ، وعظم (٣).
وقال ابن عبّاس : أخبر الله ـ تعالى ـ أن المؤمن إذا أسلم أمره لله ، واسترجع عند مصيبته كتب الله له ثلاث خصال : الصّلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢ / ٢٥٥) والطبري في «التفسير» (٢ / ٢٦).
والحديث أورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢ / ٣٣٤) وقال : وفيه علي بن أبي طلحة وهو ضعيف.
وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (٤ / ٣٣٧) وذكره أيضا المتقي الهندي في «كنز العمال» (٣ / ٣٠٠) رقم (٦٦٥٠) وعزاه لأبي الشيخ عن ابن عباس.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٨٨) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في «العزاء» عن عكرمة.
(٣) أخرجه ابن ماجه (١ / ٥٠٩) رقم (١٥٩٨).
(٤) أخرجه الطبري (٣ / ٢٢٣) ، والطبراني في «الكبير» كما في مجمع الزوائد (٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١) للهيثمي.
وقال الهيثمي : وفيه علي بن أبي طلحة وهو ضعيف.
والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٨٥) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس.