من أن يقال : وإن تعدّوا نعم الله لا تحصوها ، وقوله سبحانه وتعالى : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] أتمّ معنى من قوله : حسنات ، وقوله : (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) [آل عمران : ١٧٤] ، أتمّ معنى من قوله : بنعم. ونظائره كثيرة.
وأما الصّلوات فالمراد بها درجات الثّواب ، وهي إنما تحصل شيئا بعد شيء ، فكأنه دلّ على الصّفة المقصودة.
قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)(١٥٨)
في تعلّق هذه الآية بما قبلها وجوه.
أحدها : أنّه سبحانه وتعالى بيّن أنّه إنّما حوّل القبلة إلى الكعبة ؛ ليتمّ إنعامه على محمّد [صلوات البرّ الرّحيم وسلامه عليه] وأمّته بإحياء شريعة إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسلام ـ لقوله تعالى : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٥٠] ، وكان السّعي بين الصّفا والمروة من شريعة إبراهيم [عليه الصّلاة والسّلام] فذكر هذا الحكم عقب تلك الآية.
وقيل : إنّه تبارك وتعالى [لمّا] أمر بالذّكر مطلقا في قوله تعالى : «فاذكروني» بيّن الأحوال الّتي يذكر فيها وإحداها الذّكر مطلقا.
والثّانية : الذكر في حال النّعمة ، وهو المراد بقوله تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي) [البقرة : ١٥٢].
الثالثة : الذّكر في حال الضّرّاء ، فقال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) إلى قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ١٥٥] ثم بيّن في هذه الآية المواضع الّتي يذكر فيها ، ومن جملتها عند الصّفا والمروة ، وبقيّة المشاعر.
وثانيها : أنّه لمّا قال سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) [الآية] إلى قوله سبحانه : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ،) ثم قال [عزوجل] : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ، وإنما جعلها كذلك ، لأنّها من أثار «هاجر ، وإسماعيل» ، وما جرى [عليهما](١) من البلوى ويستدلّ بذلك على أنّ من صبر على البلوى ، لا بدّ وأن يصل إلى أعظم الدّرجات.
وثالثها : أنّ [أقسام](٢) التّكليف ثلاثة :
أحدها : ما يحكم العاقل [بحسنه](٣) في أوّل الأمر ، فذكره أوّلا ، وهو قوله تعالى : «اذكروني أذكركم ، (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ؛) فإنّ كلّ عاقل يعلم أنّ ذكر المنعم بالمدح ، والشّكر ، أمر مستحسن في العقل.
__________________
(١) في ب : بينهما.
(٢) بياض في ب.
(٣) سقط في ب.