وثانيها : ما يحكم العقل [بقبحه](١) في أوّل الأمر ، إلّا أنّه لمّا ورد الشّرع به ، وبيّن الحكمة فيه ، [وهي](٢) الابتلاء ، والامتحان ؛ على ما قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) ، فحينئذ يعتقد المسلم حسنه ، وكونه حكمة وصوابا.
[وثالثها] : ما لا يهتدي العقل إلى حسنه ، ولا إلى [قبحه] ، بل [يراها] كالعبث الخالي عن المنفعة والمضرّة ، وهو مثل أفعال الحجّ من السّعي بين الصّفا والمروة ، فذكر الله تعالى هذا القسم عقيب القسمين الأوّلين ؛ ليكون قد نبّه على جميع أقسام التكاليف.
قوله [تعالى] : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ:) [الصّفا :] اسم «إنّ» ، و «من شعائر الله» خبرها.
قال أبو البقاء (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ : وفي الكلام حذف مضاف ، تقديره «طواف الصّفا ، أو سعي الصّفا». وألف «الصّفا» [منقلبة] عن واو ؛ بدليل قلبها في التثنية واوا ؛ قالوا : صفوان ؛ والاشتقاق يدلّ عليه أيضا ؛ لأنّه من الصّفو ، وهو الخلوص ، [والصّفا : الحجر الأملس].
وقال القرطبيّ (٤) : «والصّفا مقصور» جمع صفاة ، وهي الحجارة الملس.
وقيل : الصّفا اسم مفرد ؛ وجمعه «صفيّ» ـ بضمّ الصاد ـ [وأصفاء] ؛ على [وزن](٥) أرجاء.
قال [الرّاجز] : [الرجز]
٨٥٠ ـ كأنّ متنيه من النّفيّ |
|
مواقع الطّير على الصّفيّ (٦) |
وقيل : من شروط الصّفا : البياض والصّلابة ، واشتقاقه من : «صفا يصفو» ، أي : [أخلص من] التّراب والطّين ، والصّفا : الحجر الأملس.
وفي كتاب الخليل (٧) : الصّفا : الحجر الضّخم الصّلب الأملس ، وإذا [نعتوا] الصّخرة ، قالوا : صفاة صفواء ، وإذا ذكّروا ، قالوا : «صفا صفوان» ، فجعلوا الصّفا [والصّفاة] كأنّهما في معنى واحد.
قال المبرّد (٨) : «الصّفا» : كلّ حجر أملس لا يخالطه غيره ؛ من طين أو تراب ،
__________________
(١) في ب : بصحته.
(٢) في ب : وهو.
(٣) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٠.
(٤) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٢١.
(٥) في ب : وزن.
(٦) البيت للأخيل. ينظر : اللسان (صفا) ، القرطبي : ٢ / ١٢١ ، الرازي : ٤ / ١٤٣ ، وصوابه : «متنيّ» بدلا من «متنيه» ، كما أنشده ابن دريد هكذا ؛ لأن بعده : من طول إشرافي على الطّويّ.
(٧) ينظر تفسير الرازي : ٤ / ١٤٣.
(٨) ينظر تفسير الرازي : ٤ / ١٤٣.