وفرّقوا بين الفيء والظّل : فقالوا : الفيء ما كان بالعشيّ ؛ لأنه الذي نسخته الشّمس ، والظّلّ ما كان بالغداة ؛ لأنه لم تنسخه الشّمس ، وفي الجنة ظلّ وليس فيها فيء ؛ لأنه لا شمس فيها ؛ قال تعالى : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة : ٣٠] ؛ وأنشد : [الطويل]
١١٠١ ـ فلا الظّلّ من برد الضّحى تستطيعه |
|
ولا الفيء من برد العشيّ تذوق (١) |
وقيل : فلان سريع الفيئة ، أي : سريع الرّجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدّمة ، حكاه الفرّاء عن العرب (٢).
وقيل لما ردّه الله على المسلمين من مال المشركين : فيء ؛ كأنه كان لهم فرجع إليهم ، فقوله: «فاءوا» معناه : رجعوا عمّا حلفوا عليه من ترك الجماع ، فإنه غفور رحيم.
فصل في وجوب الكفّارة
قال القرطبيّ (٣) : جمهور العلماء أوجبوا الكفّارة على المؤلي إذا فاء بجماع امرأته.
وقال الحسن : لا كفّارة عليه (٤).
قال القرطبي (٥) : إذا كفّر عن يمينه ، سقط عنه الإيلاء.
قوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) في نصب «الطّلاق» وجهان :
أحدهما : أنه على إسقاط الخافض ؛ لأنّ «عزم» يتعدّى ب «على» ، قال : [الوافر]
١١٠٢ ـ عزمت على إقامة ذي صباح |
|
لأمر مّا يسوّد من يسود (٦) |
والثاني : أن تضمّن «عزم» معنى «نوى» ؛ فينتصب مفعولا به.
والعزم : عقد القلب وتصميمه : عزم يعزم عزما وعزما بالفتحة والضمة ، وعزيمة وعزاما بالكسر ، ويستعمل بمعنى القسم : عزمت عليك لتفعلنّ ؛ والعزم والعزيمة : توطين النّفس على المراد المطلوب ، والأمر المقصود. والطلاق : انحلال العقد ، وأصله الانطلاق.
وقال القرطبي (٧) : والطّلاق : التّخلية ، يقال : نعجة طالق ، وناقة طالق أي : مهملة ؛ قد تركت في المرعى ، لا قيد عليها ولا راعي وبعير طلق : بضم الطّاء واللام ، والجمع
__________________
(١) ينظر : تهذيب اللغة (ظل) ، والرازي ٦ / ٧٠.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٧٠.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٧٣.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٧٤) عن الحسن بلفظ إذا فاء فلا كفارة عليه.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٧٣.
(٦) البيت لأنس بن مدركة ينظر : أمالي ابن الشجري ١ / ١٨٦ ، المقتضب ٤ / ٤٣٥ شرح المفصل (٣ / ١٢) ، الدرر ١ / ١٦٨ ، الدر المصون ١ / ٥٥٢.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٧٤.