فحيث فلم يثبت بالتّواتر ، قطعنا بأنّه ليس بقرآن وأولى النّاس بهذا أبو حنيفة ؛ فإنّه تمسّك بهذا الحرف في أنّ التّسمية ليست من القرآن.
قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢٢٨)
لما ذكر ـ عزوجل ـ الإيلاء ، وأن الطّلاق قد يقع بيّن تعالى حكم المرأة بعد التّطليق.
قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) : مبتدأ وخبر ، وهل هذه الجملة من باب الخبر الواقع موقع الأمر ، أي : ليتربّصن ، أو على بابها؟ قولان ، وقال الكوفيون : إنّ لفظها أمر ؛ على تقدير لام الأمر ، ومن جعلها على بابها ، قدّر : وحكم المطلّقات أن يتربّصن ، فحذف «حكم» من الأول ، و «أن» المصدرية من الثاني ، وهو بعيد جدّا.
و «تربّص» يتعدّى بنفسه ؛ لأنه بمعنى انتظر ، وهذه الآية تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكن مفعول التربّص محذوفا ، وهو الظاهر ، تقديره : يتربّصن التزويج أو الأزواج ، ويكون «ثلاثة قروء» على هذا منصوبا على الظرف ؛ لأنّه اسم عدد مضاف إلى ظرف.
والثاني : أن يكون المفعول هو نفس «ثلاثة قروء» ، أي : ينتظرون مضيّ ثلاثة قروء.
وأمّا قوله : «بأنفسهنّ» [فيحتمل وجهين ، أحدهما ، وهو الظاهر : أن يتعلّق ب «يتربّصن» ، ويكون معنى الباء السببية ، أي : بسبب أنفسهنّ] ، وذكر الأنفس أو الضمير المنفصل في مثل هذا التركيب واجب ، ولا يجوز أن يؤتى بالضمير المتصل ، لو قيل في نظيره : «الهندات يتربّصن بهنّ» لم يجز ؛ لئلّا يتعدّى فعل المضمر المنفصل إلى ضميره المتصل في غير الأبواب الجائز فيها ذلك.
والثاني : أن يكون «بأنفسهنّ» تأكيدا للمضمر المرفوع المتصل ، وهو النون ، والباء زائدة في التوكيد ؛ لأنّه يجوز زيادتها في النفس والعين مؤكّدا بهما ؛ تقول : «جاء زيد نفسه وبنفسه وعينه وبعينه» ؛ وعلى هذا : فلا تتعلّق بشيء لزيادتها ، لا يقال : لا جائز أن تكون تأكيدا للضمير ؛ لأنّه كان يجب أن تؤكّد بضمير رفع منفصل ؛ لأنه لا يؤكّد الضمير المرفوع المتصل بالنّفس والعين ، إلّا بعد تأكيده بالضمير المرفوع المنفصل ؛ فيقال : «زيد جاء هو نفسه عينه» ؛ لأنّ هذا المؤكّد خرج عن الأصل ، لمّا جرّ بالباء الزائدة أشبه الفضلات ، فخرج بذلك عن حكم التوابع ، فلم يلتزم فيه ما التزم في غيره ، ويؤيّد ذلك قولهم : «أحسن بزيد ، وأجمل» ، أي : به ، وهذا المجرور فاعل عند البصريّين ، والفاعل عندهم لا يحذف ، لكنه لمّا جرى مجرى الفضلات ؛ بسبب جرّه بالحرف ، أو خرج عن