وعند أبي حنيفة : ما لم تطهر من الحيضة الثّالثة ، إن كان الطّلاق في حال الطّهر ، ومن الحيضة الرّابعة إن كان الطلاق في حال الحيض ، لا يحكم بانقضاء عدّتها ، ثم قال : إذا طهرت لأكثر الحيض ، تنقضي عدّتها قبل الغسل ، وإن طهرت لأقلّ الحيض ، لم تنقض عدّتها.
وحجّة الشّافعي من وجوه :
أولها : قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] أي : في وقت عدّتهن ؛ كقوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء : ٤٧] ، أي : في يوم القيامة ، والطّلاق في زمن الحيض منهيّ عنه ؛ فوجب أن يكون زمان العدّة غير زمان الحيض.
أجاب صاحب «الكشّاف» بأن معنى الآية : مستقبلات لعدّتهن كما يقال : لثلاث بقين من الشّهر ، يريد : مستقبلا لثلاث.
قال ابن الخطيب (١) : وهذا يقوّي استدلال الشّافعي ـ رضي الله عنه ـ لأن قوله : «لثلاث بقين من الشّهر» معناه : لزمان يقع الشّروع في الثّلاث عقيبه ، وإذا كان الإذن حاصلا بالتّطليق في جميع زمان الطّهر ، وجب أن يكون الطّهر الحاصل عقيب زمان التّطليق من العدّة ، وهو المطلوب.
وثانيها : روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ؛ أنها قالت : «هل تدرون ما الأقراء؟ الأقراء الأطهار» (٢).
قال الشّافعي : والنّساء بهذا أعلم ؛ لأن هذا إنما يبتلى به النّساء.
وثالثها : وهو ما تقدّم من أن «القرء» عبارة عن الجمع ، واجتماع الدّم إنّما هو زمان الطّهر ؛ لأن الدّم يجتمع في ذلك الزّمان في البدن.
فإن قيل : بل زمان الحيض أولى بهذا الاسم ؛ لأنّ الدّم يجتمع في هذا الزّمان في الرّحم.
قلنا : لا يجتمع ألبتّة في زمان الحيض في الرّحم ، بل ينفصل قطرة قطرة ، وأمّا وقت الطّهر ، فالكلّ مجتمع في البدن لم ينفصل منه شيء ، وكان معنى الاجتماع وقت الطّهر أتم ؛ لأن الدّم من أوّل الطّهر يأخذ في الاجتماع والازدياد إلى آخره ، فكان آخر الطّهر هو القرء في الحقيقة.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٧٦.
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٥٧٦) رقم (٥٤) والبيهقي (٧ / ٤١٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٨٩) وزاد نسبته للشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٠٦).