الحيض ، فحينئذ يحرم للغير التّزويج بها ، وإن جعلنا القرء هو الطّهر ، فحينئذ يجوز تزويجها ، وجانب التّحريم أولى بالرّعاية ؛ لقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «ما اجتمع الحلال والحرام إلّا غلب الحرام الحلال» (١) ولأن الأصل في الأبضاع الحرمة ، وهذا
أقرب إلى الاحتياط ، فكان أولى ؛ لقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٢).
قوله : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ) الجارّ متعلّق ب «يحلّ» واللام للتبليغ ، كهي في «قلت لك».
قوله : (ما خَلَقَ اللهُ) في «ما» وجهان :
أظهرهما : أنّها موصولة بمعنى «الّذي».
والثاني : أنها نكرة موصوفة ، وعلى كلا التقديرين ، فالعائد محذوف لاستكمال الشروط ، والتقدير : ما خلقه ، و «ما» يجوز أن يراد بها الجنين ، وهو في حكم غير العاقل ، فلذلك أوقعت عليه «ما» وأن يراد بها دم الحيض.
قوله : (فِي أَرْحامِهِنَّ) فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق ب «خلق».
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف ؛ على أنه حال من عائد «ما» المحذوف ، التقدير : ما خلقه الله كائنا في أرحامهنّ ، قالوا : وهي حال مقدّرة ؛ قال أبو البقاء (٣) : «لأنّ وقت خلقه ليس بشيء ، حتّى يتمّ خلقه» ، وقرأ مبشّر بن عبيد (٤) : «في أرحامهنّ» و «بردّهنّ» بضمّ هاء الكناية ، وقد تقدّم أنه الأصل ، وأنه لغة الحجاز ، وأنّ الكسر لأجل تجانس الياء والكسرة.
قوله : «إن كنّ» هذا شرط ، وفي جوابه المذهبان المشهوران : إمّا محذوف ، وتقديره من لفظ ما تقدّم ؛ لتقوى الدلالة عليه ، أي : إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر ، فلا
__________________
(١) ذكره العجلوني في «كشف الخفا» (٢ / ٢٥٤) وقال : قال ابن السبكي في «الأشباه والنظائر» نقلا عن البيهقي : رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود وفيه ضعف وانقطاع وقال الزين العراقي في تخريج منهاج الأصول : لا أصل له وأدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له.
(٢) أخرجه النسائي (٢ / ٢٣٤) والترمذي (٢ / ٨٤) والحاكم (٤ / ٩٩) والطيالسي (١١٧٨) وأحمد (١ / ٢٠٠) وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ٢٦٤) عن الحسن بن علي وزادوا إلا النسائي فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي سنده قوي.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦ / ٣٥٢) وفي «أخبار أصبهان» (٢ / ٢٤٣) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٢ / ٢٢٠ ، ٣٨٦) وقالا : غريب تفرد به عبد الله بن أبي رومان.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٥.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٠٥ ، والبحر المحيط ٢ / ١٩٨ ، والدر المصون ١ / ٥٥٥.