فصل
روى عروة بن الزّبير ، قال : كان النّاس في الابتداء يطلّقون من غير حصر ولا عدد ، وكان الرّجل يطلق امرأته ، فإذا قاربت انقضاء عدّتها ، راجعها ثم طلّقها كذلك ، ثم راجعها يقصد مضارّتها ، فنزلت هذه الآية : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ)(١).
وروي : أن الرّجل كان في الجاهليّة يطلّق امرأته ، ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدّتها ، ولو طلّقها ألف مرّة ، كانت القدرة على المراجعة ثابتة ، فجاءت امرأة إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، فشكت أنّ زوجها يطلّقها ويراجعها ، يضارّها بذلك ، فذكرت عائشة ذلك لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فنزل قوله تعالى (٢) : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) يعني : الطلاق الّذي يملك الرّجعة عقيبه مرتان ، فإذا طلّق ثلاثا ، فلا تحلّ له إلّا بعد نكاح زوج آخر.
فصل
اختلف المفسّرون في هذه الآية :
فقال بعضهم : هذا حكم مبتدأ ، ومعناه : أن التّطليق الشّرعيّ يجب أن يكون تطليقة بعد أخرى ، على التّفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ، وهذا قول من قال : الجمع بين الثّلاث حرام.
قال أبو زيد الدّبوسيّ (٣) : هذا قول عمر وعثمان وعبد الله بن عبّاس ، وعبد الله بن عمر ، وعمران بن حصين ، وأبي موسى الأشعري وأبي الدّرداء ، وحذيفة.
وقال آخرون : ليس بابتداء كلام ، وإنّما هو متعلّق بما قبله والمعنى : أن الطّلاق الرّجعيّ مرّتان ، ولا رجعة بعد الثّلاث ، وهو قول من جوّز الجمع بين الثّلاث ، وهو مذهب الشّافعي.
حجّة القول الأوّل : أن الألف واللام في «الطّلاق» إذا لم يكونا للمعهود ، أفادا
__________________
ـ ويصدق بيمينه إن قال : أردت طلاقا ماضيا وراجعت ، وإن لم يعرف له طلاق سابق ـ لاحتمال ما يدعيه فإن قال كان بائنا وجددت لم يصدق إلا إن عرف له طلاق سابق.
(١) أخرجه الترمذي (٢ / ٢١٩) ومالك في «الموطأ» ص (٢٨٨) والشافعي في «مسنده» (٢ / ٣٤) والبيهقي (٧ / ٣٣٣) والطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٤٠).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٩٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير.
(٢) أخرجه الترمذي (٢ / ٢١٨ ـ ٢١٩) والحاكم (٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) والبيهقي (٧ / ٣٣٣) وابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (١ / ٥٣٨).
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يتكلم أحد في يعقوب بن حميد بحجة وتعقبه الذهبي فقال : قد ضعفه غير واحد.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٨٣.