معيّنة ، فكان كالمجمل المفتقر إلى المبيّن ، أو العامّ المفتقر إلى المخصص ، فبيّن في هذه الآية أن ذلك الطّلاق الّذي ثبت فيه للزّوج حقّ الرّجعة ، هو أن يوجد طلقتان ، فأمّا بعد الطّلقتين ، فلا يثبت ألبتّة حق الرّجعة فالألف واللام في «الطّلاق» للمعهود السّابق ، فهذا تفسير مطابق لنظم الآية ، فيكون أولى لوجوه :
الأول : أن قوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) إن كان عامّا في كلّ الأحوال ؛ فهو مفتقر إلى المخصّص ، وإن لم يكن عامّا فهو مجمل ؛ لأنه ليس فيه بيان الشّرط الّذي عنده يثبت حقّ الرّجعة ، فافتقر إلى البيان ، فإذا جعلنا الآية متعلّقة بما قبلها ، كان المخصص حاصلا مع العامّ المخصوص ، أو كان البيان حاصلا مع المجمل ، وذلك أولى من ألّا يكون كذلك ؛ لأن تأخير البيان عن وقت الخطاب ـ وإن كان جائزا ـ ، إلا أن الأرجح ألّا يتأخّر.
الثاني : أنّا إذا جعلنا هذا الكلام مبتدأ ، كان قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) يقتضي ذكر الطّلقة الثّانية ، وهي قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فصار تقدير الآية : الطّلاق مرّتان ومرّة ؛ لأنا نقول : إن قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) متعلّق بقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) لا بقوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، ولأن لفظ التّسريح بالإحسان لا إشعار فيه بالطّلاق ، ولأنّا لو جعلنا التّسريح هو الطّلقة الثّالثة ، لكان قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) طلقة رابعة ، وهو غير جائز.
الثالث : ما روينا في سبب النّزول : من شكوى المرأة إلى عائشة كثرة تطليقها ومراجعتها قصدا للمضارّة ، وقد أجمعوا على أنّ سبب النّزول لا يجوز أن يكون خارجا عن عموم الآية ، فكان تنزيل الآية على هذا المعنى ، أولى من تنزيلها على حكم أجنبيّ عنها.
فصل
اعلم أن معنى الآية : أن الطّلاق التي يثبت فيه الرّجعة (١) هو أن يوجد مرّتان ، ثم
__________________
(١) الرجعة قال في «المصباح» بالفتح بمعنى : الرجوع ، وفلان يؤمن بالرجعة أي : بالعود إلى الدنيا. وأما الرجعة بعد الطّلاق ورجعة الكتاب فبالفتح والكسر ، وهو أفصح. قال ابن فارس : والرجعة : مراجعة الرجل أهله ، وقد تكسر وهو يملك الرجعة على زوجته ، وطلاق رجعي بالوجهين أيضا.
وفيه : رجعت المرأة إلى أهلها ؛ بموت زوجها أو طلاق ، فهي راجع ، ومنهم من يفرق فيقول : المطلّقة مردودة والمتوفى عنها راجع.
قال صاحب «المختار» : رجع الشّيء بنفسه من باب «جلس» ورجعه غيره من باب «قطع» ، وقوله تعالى : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) : أي يتلاومون.
والرجعئ الرجوع ، وكذا المرجع ؛ ومنه قوله تعالى : (إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) وهو شاذ ؛ لأن المصادر من «فعل» إنما تكون بالفتح.
ورجعه بفتح الراء وكسرها ، والفتح أفصح ، والراجع : المرأة يموت زوجها ، فترجع إلى أهليها ، وأما المطلّقة : فهي المردودة ، والرجّع : المطر ؛ قال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ).
وقيل : معناه النفع.