على حرمة أخذ ذلك المال ، إذا كان السّبب حاصلا من قبل الزّوج ، وليس فيه تقييد بأن يكون من جانب المرأة سبب أم لا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أفرد بهذا القسم آية آخرى ؛ وهي قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) [النساء : ٣٥] ، ولم يذكر فيه أخذ المال ، وهذا التقسيم إنما هو فيما بين المكلّفين وبين الله ـ تعالى ـ فأمّا في الظّاهر ، فهو جائز.
فصل في قدر ما يجوز الخلع به
اختلفوا في قدر ما يجوز الخلع به :
فقال الشّعبي والزّهري والحسن البصري وعطاء وطاوس : لا يجوز أن يأخذ فوق ما أعطاها ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لامرأة ثابت حين قالت له : نعم ، وأزيده ، قال : «لا ، حديقته فقط» (١) ، وهو قول عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ (٢).
قال سعيد بن المسيّب : بل دون ما أعطاها حتّى يكون الفضل (٣).
وأما سائر الفقهاء فإنّهم جوّزوا المخالعة بالأزيد والأقلّ والمساوي.
فصل
قال قوم : الخلع تطليقة ، وهو قول علي ، وعثمان ، وابن مسعود ، والحسن والشّعبي ، والنّخعي ، وعطاء ، وابن السّائب ، وشريح ، ومجاهد ، ومكحول ، والزّهري وهو قول أبي حنيفة وسفيان وأحد قولي الشّافعي وأحد الرّوايتين عن أحمد.
والقول الثاني للشّافعي ، وبه قال محمّد وإسحاق وأبو ثور.
حجّة القول الأوّل : أنه لو كان فسخا ، لما صحّ الزّيادة على المهر المسمّى كالإقالة في البيع ، ولأنّه لو كان فسخا فإذا خالعها ولم يذكر المهر ، وجب أن يجب عليها المهر ؛ كالإقالة في البيع ، فإن الثّمن يجب ردّه وإن لم يذكره. ولما لم يكن كذلك ، ثبت أن الخلع ليس بفسخ ، وإذا بطل ذلك ، ثبت أنّه طلاق.
حجة القول الثّاني : قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ثم ذكر الطّلاق ؛ فقال : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] ولو كان الخلع طلاقا ، لكان الطّلاق أربعا ، وهذا الاستدلال نقله الخطّابي في «معالم السّنن» عن ابن عبّاس ، وأيضا أن النّبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أذن لثابت بن قيس في مخالعة امرأته ، ولم يستكشف هل هي حائض أو في طهر جامعها فيه ، مع أنّ الطّلاق في هاتين الحالتين حرام منهيّ عنه ،
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٤ ـ ٥٧٥).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٥) عن سعيد بن المسيب.