قال أبو حيان : أمّا ما ذكره من أنه لا يقال : «علمت أنّ يقوم زيد» فقد ذكره غيره مثل الفارسي وغيره ، إلّا أن سيبويه (١) أجاز : «ما علمت إلا أن يقوم زيد» فظاهر هذا الردّ على الفارسي. قال بعضهم الجمع بينهما أنّ «علم» قد يراد بها الظّنّ القويّ كقوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة ١٠] ، وقوله : [الوافر]
١١١٣ ـ وأعلم علم حقّ غير ظنّ |
|
وتقوى الله من خير العتاد (٢) |
فقوله : «علم حق» يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق ، وكذا قوله «غير ظنّ» يفهم منه أنه قد يكون علم بمعنى الظن. وممّا يدلّ على أنّ «علم» التي بمعنى «ظنّ» تعمل في «أن» الناصبة قول جرير : [البسيط]
١١١٤ ـ نرضى عن النّاس إنّ النّاس قد علموا |
|
ألّا يدانينا من خلقه أحد (٣) |
ثم قال أبو حيان : «وثبت بقول جرير وتجويز سيبويه أنّ «علم» تعمل في «أن» الناصبة ، فليس بوهم من طريق اللفظ كما ذكره الزمخشري. وأمّا قوله : «لأنّ الإنسان لا يعلم ما في الغد» فليس كما ذكر ، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرة واقعة في الغد ويجزم بها» قال شهاب الدين : وهذا الردّ من الشيخ عجيب جدا ، كيف يقال في الآية : إنّ الظن بمعنى اليقين ، ثم يجعل اليقين بمعنى الظن المسوغ لعلمه في «أن» الناصبة. وقوله «لأنّ الإنسان قد يجزم بأشياء في الغد» مسلّم ، لكن ليس هذا منها.
وقوله : «أن يقيما» إمّا سادّ مسدّ المفعولين ، أو الأول والثاني محذوف ، على حسب المذهبين المتقدمين.
فصل
كلمة «إن» في اللغة للشرط ، والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط ؛ فظاهر الآية يقتضي : أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة وليس الأمر كذلك ؛ فإنّ جواز المراجعة ثابت ، سواء حصل هذا الظنّ ، أو لم يحصل ، إلّا أنا نقول : ليس المراد أنّ هذا شرط لصحة المراجعة ؛ بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنّكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى ، وقصد الإقامة لحدود الله.
قال طاوس : إن ظنّ كلّ واحد منهما ، أنه يحسن عشرة صاحبه (٤).
وقيل : حدود الله : فرائضه ، أي إذا علما أنه يكون منهما الصلاح بالنكاح الثاني.
__________________
(١) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٣٦٨.
(٢) ينظر البحر ٢ / ٢١٣ ، الدر المصون ١ / ٥٦٣.
(٣) ينظر ديوانه (٢٦١) ، الأشموني ٣ / ٣٨٢ ، الهمع ٢ / ٢٢ ، الدرر ٢ / ٢ ، الدر المصون ١ / ٥٦٣.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٠١.