والثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي : حال كونكم مضارّين لهنّ.
قوله : «لتعتدوا» هذه لام العلّة ، أي : لا تضارّوهنّ على قصد الاعتداء عليهن ، فحينئذ تصيرون عصاة لله تعالى ، وتكونوا معتدين ؛ لقصدكم تلك المعصية.
وأجاز أبو البقاء (١) : أن تكون لام العاقبة ، أي : الصيرورة ، كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، وفي متعلقها وجهان :
أحدهما : أنه (لا تُمْسِكُوهُنَّ).
والثاني : أنه المصدر ، إن قلنا : إنه حال ، وإن قلنا : إنه مفعول من أجله ، تعلّقت به فقط ؛ وتكون علة للعلة ؛ كما تقول : «ضربت ابني ؛ تأديبا ؛ لينتفع» ، فالتأديب علة للضرب ، والانتفاع علة للتأديب ، ولا يجوز أن تتعلّق ـ والحالة هذه ـ ب (لا تُمْسِكُوهُنَّ).
و «تعتدوا» منصوب بإضمار «أن» ، وهي وما بعدها في محلّ جر بهذه اللام ، كما تقدّم تقريره ، وأصل «تعتدوا» : تعتديوا ، فأعلّ كنظائره.
قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أدغم أبو الحارث (٢) ، عن الكسائي ، اللام في الذال ، إذا كان الفعل مجزوما كهذه الآية ، وهي في سبعة مواضع في القرآن : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة : ٢٣١] في موضعين ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) [آل عمران : ٢٨] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) [النساء : ٣٠] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [النساء : ١١٤] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المنافقون : ٩]. وجاز لتقارب مخرجيهما ، واشتراكهما في : الانفتاح ، والاستفال ، والجهر.
وتحرّز من غير المجزوم نحو : يفعل ذلك. وقد طعن قوم على هذه الرواية ، فقالوا : لا تصحّ عن الكسائي ؛ لأنها تخالف أصوله ، وهذا غير صواب.
فصل في سبب النزول
هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار يدعى : ثابت بن يسار ، طلّق امرأته ، حتى إذا قارب انقضاء عدّتها ، راجعها ، ثمّ طلّقها ؛ يقصد مضارّتها (٣).
فإن قيل : ذكر هذه الآية بعد قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) تكرير لكلام واحد ، في موضوع واحد ، من غير زيادة فائدة ، وهو لا يجوز؟!
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٦.
(٢) الليث بن خالد روى عنه سلمة بن عاصم توفي سنة ٢٤٠ ه ينظر غاية النهاية ٢ / ٢٤.
(٣) تقدم.