كلّ الأوقات ، فلعلّه يمسكها بالمعروف في الحال ، ولكن في قلبه أن يضارّها في الزمان المستقبل ، فلما قال : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) اندفعت الشبهات ، وزالت الاحتمالات.
فصل في بيان معنى الضرار
و «الضرار» : هو المضارّة ؛ قال تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) [التوبة : ١٠٧] ، ومعناه راجع إلى إثارة العداوة ، وإزالة الألفة ، وإيقاع الوحشة ؛ وذكر المفسرون فيه وجوها (١) :
أحدها : ما تقدّم في سبب نزول الآية من تطويل العدّة تسعة أشهر ، فأكثر.
ثانيها : «الضرار» سوء العشرة.
وثالثها : تضييق النفقة ، وكانوا يفعلون في الجاهلية أكثر هذه الأعمال ؛ لكي تختلع المرأة عنه بمالها.
__________________
ويرى أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني في أول أقواله إلى أن الأمر بشيء معين إيجابا أو ندبا نهي عن ضده الوجودي تحريما أو كراهة سواء كان الضد واحدا كالتحرك بالنسبة إلى السكون المأمور به في قول القائل اسكن ، أو أكثر كالقيام وغيره بالنّسبة إلى القعود المطلوب للآمر بقوله : اقعد.
ومعنى كونه نهيا أن الطلب واحد ، ولكنه بالنسبة إلى السكون في مثالنا أمر ، وبالنّسبة إلى التحرك نهي كما يكون الشيء الواحد بالنّسبة إلى شيء قريبا وإلى آخر بعيدا. ومثل الشيء المعين في ذلك الشيء الواحد المبهم من أشياء معينة بالنظر إلى مفهومه وهو الأحد الذي يدور بينها فإن الأمر به نهي عن ضده الذي هو ما عداها بخلافه بالنظر إلى فرده المعين فليس الأمر به نهيا عن ضده منها.
وذهب القاضي الباقلاني في آخر أقواله والإمام الرازي وسيف الدين الآمدي وأيضا القاضي عبد الجبار وأبو الحسين من المعتزلة إلى أن الأمر بشيء معين مطلقا يدل على النهي عن ضده استلزاما. فالأمر بالسكون يستلزم النهي عن التحرك أي طلب الكف عنه.
وذهب أبو المعالي الجويني والغزالي إلى أن الأمر بشيء معين مطلقا لا يدل على النهي عن ضده لا مطابقة ولا التزاما.
وذهب بعض العلماء إلى أن أمر الإيجاب يدل على النهي عن ضده التزاما دون أمر الندب فلا يدل على النهي عن ضده لا مطابقة ولا التزاما.
والذي نختاره من هذه الآراء : أن الأمر بالشيء إيجابا أو ندبا يستلزم النهي عن ضده تحريما أو كراهة.
ينظر المحصول ١ / ٢ / ٣٣٤ البرهان ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢ اللمع (١١) التبصرة ١٨٩ المنخول ١١٤ المستصفى ١ / ٨١ الإحكام للآمدي ٢ / ١٥٩ ، شرح الكواكب المنير ٣ / ٥١ المسودة ص (٤٩) أصول السرخسي ١ / ٩٤ شرح تنقيح الفصول ص ٣٥ المعتمد ١ / ١٠٦ جمع الجوامع ١ / ٣٨٦ تيسير التحرير ١ / ٤٦٣ فواتح الرحموت ١ / ٩٧ القواعد والفوائد الأصولية ص ١٨٣ التمهيد للإسنوي ٩٤ ـ ٩٥ شرح العضد ٣ / ٨٥ كشف الأسرار ٢ / ٣٢٨ التلويح على التوضيح ٢ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ إرشاد الفحول (١٠١) روضة الناظر ص ٢٥ المدخل ص (١٠٢).
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٩٤.