قوله : «عليكم» متعلّق ب «أنزل» ، و «من الكتاب» متعلّق بمحذوف ، لأنه حال ، وفي صاحبه وجهان :
أحدهما : أنه «ما» الموصولة.
والثاني : أنه عائدها المحذوف ، إذ التقدير : أنزله في حال كونه من الكتاب.
و «من» يجوز أن تكون تبعيضية ، وأن تكون لبيان الجنس عند من يرى ذلك.
والضمير في «به» يعود على «ما» الموصولة.
والمراد من «الكتاب» : القرآن ، ومن «الحكمة» : «السّنّة». يعظكم به أي : يخوفكم به ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : في أوامره ، ولا تخالفوه في نواهيه ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢٣٢)
الكلام في صدر هذه الآية كالتي قبلها ، إلّا أنّ الخطاب في : «طلّقتم» للأزواج ، وفي : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) للأولياء ؛ لأنه يروى في سبب نزول هذه الآية وجهان :
الأول : أنّ معقل بن يسار زوّج أخته جميل بن عبد الله بن عاصم ، وقيل : كانت تحت أبي الدّحداح (١) عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها ، ثم تركها حتىّ انقضت عدّتها ، ثم ندم ؛ فجاء يخطبها ، فقال : زوجتك ، وفرشتك ، وأكرمتك ؛ فطلقتها ثم جئت تخطبها؟! لا والله ، لا تعود إليك أبدا ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فقال لها معقل : إنه طلّقك ثمّ تريدين مراجعته؟ وجهي من وجهك حرام ، إن راجعته ؛ فأنزل الله هذه الآية ، فدعا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ معقل بن يسار ، وتلا عليه الآية ، فقال : رغم أنفي لأمر
__________________
(١) عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام البلوي العجلاني حليف الأنصار.
كان سيد بني عجلان ، وهو أخو معن بن عدي ويكنى : أبا عمرو ، يقال : أبا عبد الله ، واتفقوا على ذكره في البدريين ، ويقال : إنه لم يشهدها بل خرج فكسر فرده النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الروحاء واستخلفه على العالية من المدينة وله ذكر في الصحيح من حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين ، وغاير البغوي بين عاصم بن عدي العجلاني وبين عاصم والد أبي القداح ، فوهم ، وصرح ابن خزيمة في صحيحه بأن والد ابن القداح هو عاصم بن عدي العجلاني ، وقال ابن سعد وابن السكن وغيرهما : مات سنة خمس وأربعين وهو ابن مائة وخمس عشرة وقيل : عشرين وقال الزبير بن بكار في ترجمة عبد الرحمن بن عوف : ومن ولده عمر ومعن وزيد وأمهم سهلة بنت عاصم بن عدي العجلاني كان عبد العزيز بن عمران يحدث عن أبيه عن جده عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال عاش عاصم بن عدي عشرين ومائة سنة ، فلما حضرته الوفاة بكى عليه أهله فقال : لا تبكوا عليّ إنما فنيت فناء وذكر الطبري أنه كان قصير القامة ينظر الإصابة ترجمة رقم (٤٣٤٦) ، الأعلام ٣ / ٢٤٨.