فصل في اختلاف البلوغين
قال الشّافعيّ ـ رحمهالله ـ دلّ سياق الكلامين ـ أي في الآيتين ـ على افتراق البلوغين ، ومعناه أنّه تعالى قال في الآية الأولى : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ولو كانت عدّتها قد انقضت ، لما قال : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) لأن إمساكها بعد العدّة لا يجوز وتكون مسرّحة ، فلا حاجة إلى تسريحها ، وأما هذه الآية ، فإنه نهى عن عضلهن عن التّزويج ، وهذا النّهي إنّما يحسن في الوقت الذي يمكنها أن تتزوّج فيه ، وذلك إنّما يكون بعد انقضاء العدّة ، فهذا هو المراد من قول الشافعي «دلّ سياق الكلامين على افتراق البلوغين».
فصل في معنى التراضي بالمعروف
في التّراضي بالمعروف ، وجهان :
أحدهما : ما وافق الشّرع من عقد حلال ، ومهر جائز ، وشهود عدول.
الثاني : هو ما يضادّ قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) فيكون معناه : أن يرضى كلّ واحد منهما بما لزمه بحق هذا العقد لصاحبه ؛ حتى تحصل الصّحبة الجميلة ، وتدوم الألفة.
قال بعضهم : التراضي بالمعروف ، هو مهر المثل ، وفرّعوا عليه مسألة فقهية ، وهي أنها إذا زوّجت نفسها بأنقص من مهر مثلها ، نقصانا فاحشا ، فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة ، وللولي أن يعترض عليها بسبب ذلك النّقصان.
وقال أبو يوسف ومحمّد ليس للوليّ ذلك.
قوله : «ذلك» مبتدأ و «يوعظ» وما بعده خبره. والمخاطب قيل : إمّا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو كلّ سامع ، ولذلك جيء بالكاف الدالّة على الواحد ، وقيل : للجماعة ، وهو الظّاهر ، فيكون «ذلك» بمعنى : «ذلكم» ، ولذلك قال بعده : «منكم» وهو جائز في اللّغة ، والتّثنية والجمع أيضا جائز ، قال تعالى : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف : ٣٧] وقال : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : ٣٢] وقال : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ) [الطلاق : ٢] وقال : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) [الأعراف : ٢٢] وإنّما وحّد الخطاب وهو للأولياء ؛ لأن الأصل في مخاطبة الجمع «لكم» ثم كثر حتّى توهّموا أن «الكاف» من نفس الحرف ، وليست بكاف خطاب ؛ فقالوا ذلك ، فإذا قالوا هذا ، كانت الكاف موحّدة منصوبة في الاثنين ، والجمع ، والمؤنّث ، و «من كان» في محلّ رفع ؛ لقيامه مقام الفاعل. وفي «كان» اسمها ، يعود على «من» و «يؤمن» في محلّ نصب ، خبرا ل «كان» و «منكم» : إمّا متعلّق بكان عند من يرى أنها تعمل في الظّرف وشبهه ، وإمّا بمحذوف على أنه حال من فاعل يؤمن. فإن قيل : لم أتى باسم الإشارة