الآخر علاقة حبّ لم يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحلّ الله لهما ، ولم يؤمن من الأولياء أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا بريئين من ذلك ، فيأثمون والله يعلم من حبّ كلّ واحد منهما لصاحبه ، ما لا تعلمون أنتم.
قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢٣٣)
قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) كقوله (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) فليلتفت إليه.
قال القرطبي : لما ذكر الله تعالى النّكاح والطّلاق ذكر الولد ؛ لأن الزّوجين قد يفترقان وثمّ ولد فالآية إذن في المطلّقات اللاتي لهنّ أولاد من أزواجهنّ ، قاله السّدّيّ ، وغيره (١).
قال : «والوالدات» ولم يقل والزّوجات ، لأن أمّ الطّفل قد تكون مطلّقة والوالد والوالدة صفتان غالبتان ، جاريتان مجرى الجوامد ؛ ولذلك لم يذكر موصوفهما.
وقوله : «حولين» منصوب على ظرف الزمان ، ووصفهما بكاملين دفعا للتجوّز ، إذ قد يطلق «الحولان» على الناقصين شهرا وشهرين ، من قولهم أقام فلان بمكان كذا حولين أو شهرين وإنّما أقام حولا وبعض الآخر ، ومثله : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) [البقرة : ٢٠٣] ومعلوم أنه يتعجّل في يوم ، وبعض اليوم الثّاني ، والحول من حال الشّيء يحول إذا انقلب ، فالحول منقلب من الوقت الأول إلى الثاني. وسمّيت السنة حولا ؛ لتحوّلها ، والحول أيضا : الحيل ، ويقال : لا حول ولا قوة ، ولا حيل ولا قوّة.
فصل في تفسير «الولدات»
في «الوالدات» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّ المراد منه جميع الوالدات سواء كنّ مطلقات ، أو متزوّجات لعموم اللّفظ.
الثاني : المراد منه المطلقات ؛ لأنّه ذكر هذه الآية عقيب آية الطّلاق ، ومناسبته من وجهين:
الأول : أنه إذا طلّقت المرأة ، فيحصل التباغض ، فقد تؤذي المرأة الطفل لأمرين :
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٨).